ثورات الجماهير الشعبية- الآثار والنتائج

 

شكلت التحولات التي تمت في كل من تونس ومصر منعطفات هامة ألقت بظلالها على العديد من أقطار الوطن العربي حيث اظهر انتصارها أهمية الدور الذي يمكن ان تقوم به جماهير الشعب من اجل دفع الظلم والاستبداد وكبت الحريات والاضطهاد مثلما أظهرت قدرتها على تحقيق حريتها وبناء القاعدة المادية والسياسية والاجتماعية والاقتصادية للتغيير، وان كانت ما زالت الطريق في بدايتها بمعنى ان هذا الانجاز في إسقاط النظامين قد ترك اثاره بشكل مباشر وغير مباشر على أقطار الوطن العربي في المجالات السياسية والاجتماعية والاقتصادية والحركات من اجل الحريات العامة وبناء الديمقراطية السليمة وهذا ما بدأت تظهر ملامحه، رغم قصر المدة، عبر تنامي شعور الجماهير الشعبية بقدرتها على انجاز التحولات المطلوبة في تنظيم الحياة السياسية والاجتماعية على اسس ديمقراطية سليمة تقوم على تحقيق العدالة والمساواة.

صحيح، كما أسلفنا، ان هذه الانجازات ما زالت في بدايتها لكنها نجحت من حيث الشكل وهي تناضل من اجل  تحقيق المضمون الذي تريده وبذلك تعطي نموذجا يحتذي من اجل إسقاط الديكتاتورية والاستبداد واستغلال السلطة لثروات الوطن والثراء الفاحش  على حساب حاجات الشعب الضرورية للعيش الكريم. بالتأكيد نحن ندعم ونتمنى ان تتجاوز هذه الجماهير المفاهيم والسلوكيات التي كانت سائدة وان تشق طريقها نحو الديمقراطية والحياة الحرة الكريمة والتوجه نحو الأفق الأرحب المتمثل في العلاقات الايجابية والتكاملية مع أبناء الأمة العربية حيث ارتباط المصالح التي تخدم الجميع وبخاصة في المجالات السياسية والأمنية والاقتصادية مما يجعل الأمة قادرة على مواجهة اعدائها الصهاينة والامبرياليين الطامعين بثرواتها التي هي حق وملك لهذه الأمة والتي توفر الحياة الأفضل كل أبنائها. والعمل بجدية وإخلاص على تحقيق هذه الطموحات التي يتطلب تحقيقها حجما كبيرا من العمل الجماهيري المنظم من اجل إزالة كل العوائق الداخلية منها والخارجية التي تحول دون الوصول إلى تحقيق مصالح الجماهير وهذا يدفعنا أيضا إلى التأكيد على توفير الرؤية والقدرة والاعتماد  على الذات في إطار الوعي وصنع القرار اللازم من اجل تغيير الواقع القائم ووضع الأسس لبناء الحاضر والمستقبل الأفضل استنادا إلى الأسلوب العلمي في التفكير والممارسة على صعيد الشعب والنخب الحاكمة المنبثقة عن إرادته بحيث تأتي هذه النخب من وسط الشعب وتعمل من اجل تحقيق أهدافه وعندها تستطيع الإمساك بعملية التاريخ ودفعها إلى الامام مثلما يعطيها التكامل مع الشعب القدرة على مواجهة القوى الخارجية المعادية وإحباط مشاريعها ومؤامراتها، حيث علمتنا التجربة الواقعية ان السلطة التي لم تصل إلى سدة الحكم بشكل شرعي، ونعني من خلال الشعب وارداته، تفقد القدرة على الربط بين مصالحها ومصالح الشعب وهذا يدفعها إلى الوقوع في الأخطاء والخطايا المتمثلة بممارسة أساليب القمع والكبت والاستبداد والظلم مما يخلق هوة عميقة بينها وبين الجماهير لان سياساتها وأسلوب الحكم يكون بعيدا عن كل القوانين والتشريعات العادلة وتضع نفسها في مواجهة الشعب مما يدفعها إلى  الاستقواء بجهات خارجية مما يتطلب منها تحقيق مصالح هذه القوى الخارجية على حساب مصالح الشعب وحتى مصالحها في نهاية الأمر ، لان السلطة الحاكمة التي تمنع الشعب بأحزابه ومؤسساته المدنية من القيام بدورها ومشاركتها في صنع القرارات والتشريعات الخاصة بمسار حياتها والتي تتحكم منفردة بمصير الشعب تحقيقا لمصالحها الذاتية مما يجعلها تضع القيود والتشريعات التي تحول بين المواطنين وممارسة حقهم في الحرية وحقوقهم المشروعة تضع نفسها في مواجهة الشعب الذي يتراكم مخزون من الغضب والارادة في داخله يجعله يندفع وبكل قوة من اجل استعادة حريته وكرامته وحقوقه المشروعة وخلق الظروف للوصول الى السلطة القائمة على الديمقراطية الشعبية في المجالات كافة، السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، بمعنى امتلاك المواطن لحريته يطلق طاقاته ليصبح القوة الأساسية في عملية البناء والتحديث والتطوير بعد إزالة رواسب الماضي ومفاعيله. وهذا يجعلنا نؤكد على وجوب توجه السلطات الحاكمة في أقطار الوطن العربي نحو الخيار الديمقراطي السليم كضرورة حتمية لإخراج أقطار الوطن العربي من أزماتها على ان يكون الانتقال إلى الديمقراطية انتقالا واعيا يطال كل مناحي الحياة وبكل أشكالها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والعمل على إيجاد الحلول العملية والسريعة لحل المشكلات التي يعاني منها المجتمع العربي في هذه الأقطار مثلما يتوجب تحقيق العدالة والمساواة والحفاظ على حرية الإنسان وكرامته، ذلك لان الديمقراطية السليمة المطلوبة تتطلب فعليا تحقق حرية المواطن ونيله حقوقه ويأتي في مقدمة الأسس الضرورية لبناء مثل هذه الديمقراطية التأكيد على التداول الحقيقي للسلطة بحيث تشارك التنظيمات والمؤسسات الحزبية والاجتماعية والأهلية بما يحقق عمليا سلطة الشعب، طبعا، لا يمكن للديمقراطية ان تتحقق في ظل التبعية السياسية للقوى الخارجية بمعنى ان أهم عامل من عوامل إخراج أقطار الوطن العربي من الأزمات يتمثل في سيادة الديمقراطية حتى يحكم الشعب نفسه وعندها ستصل حتما إلى التضامن العربي والتوحد على طريق الوحدة ذلك لان الديمقراطية بكل ابعادها تشكل النظام الحضاري المتقدم الذي من خلاله تستطيع جماهير امتنا امتلاك القدرة والقوة والعطاء بدلا من الواقع السائد وما يرافقه من ظواهر اجتماعية معقدة ومتخلفة تجلت في الأنانية التي تأخذ أصحابها بعيدا عن الشعب والأمة تحقيقا لمصالح ضيقة على حساب الوطن والشعب والأمة وتدفع بفئات لا يهمها الا تحقيق منافعها الذاتية إلى الارتهان الى قوى خارجية معادية إشباعا لأطماعها وجشعها. بمعنى ان ابعاد الجماهير الشعبية عن المشاركة في الديمقراطية في الحكم سيدفعها ولو بعد حين إلى التحرك الواسع والقوي لاستعادة حقوقها وكرامتها المهدورة من القائمين على رأس النظام المستبد وهذا ما نشاهده الآن في العديد من أقطار الوطن العربي.

وعليه فإننا نؤكد مرة أخرى ان على السلطات الحاكمة ان تعمل على إعطاء الحريات والحقوق المدنية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية للمواطنين، مثلما عليها ان تحترم سمكاتب ادة القانون وتبني دولة القانون والمؤسسات الديمقراطية السليمة وان تحترم التعددية السياسية والتنظيمات المهنية والنقابية، بما فيها الرأي والرأي الأخر وبخاصة احترام الإعلام الحر المسؤول وذلك بإزالة كل القيود التي تحد من هذه الحرية والتي تحول دون وصول الإعلام إلى المعلومة الصحيحة وان تحترم دفاعه المشروع عن مصالح الشعب والوطن.

فـــؤاد دبـــور

عمان 6/3/2011