مجلس الأمن الدولي بين السلام والإجرام
يعتبر مجلس الأمن الدولي المؤسسة الرئيسية في النظام
الدولي كونه الأداة التي أناطت بها الدول الأعضاء في
هيئة الأمم المتحدة مسؤولية ترسيخ الأمن والسلم
الدوليين والحفاظ على استقرار العلاقات الدولية، وفقا
للنظام الواضح والدقيق الذي أكد عليه ميثاق الأمم
المتحدة الذي يقوم على مبادئ سلوك تؤدي إلى تحقيق
السلام في العالم استنادا إلى هذه المبادئ بمعنى أن
مهمة مجلس الأمن هي العمل على تحقيق الأمن والسلم
الدوليين وصيانتهما كونه السلطة الدولية العليا التي
يحق لها مناقشة وبحث أية أزمة أو نزاع قد يؤدي
استمراره إلى حصول نزاع مسلح بين دولتين أو أكثر وهذا
ما نصت عليه المادة الرابعة والعشرين من الميثاق. ولكن
مجلس الأمن ورغم وجود هذه المبادئ يتعرض إلى انتهاكات
فاضحة بسبب هيمنة الولايات المتحدة الأمريكية عليه
واستخدامه من اجل تحقيق أهدافها ومصالحها بعيدا عن
مهامه الأساسية في السلام حيث يتم انتزاع قرارات تجعل
منها مظلة ومبرراً لممارسة الحرب والقتل المنظم مثلما
حصل في العدوان على أفغانستان في العام 2001م تحت
ذريعة مكافحة الإرهاب الذي أصاب الولايات المتحدة
الأمريكية في الحادي عشر من أيلول عام العام نفسه كما
تجعل منه أيضا مظلة لحماية القتلة والإرهابيين وبخاصة
الصهاينة الذين يرتكبون المجازر الدموية البشعة ضد
الشعب العربي الفلسطيني مثلما يتم توظيف قراراته أيضا
لملاحقة دول ومنظمات ترفض الخضوع للسياسات الأمريكية
والصهيونية، وقد تجسد هذا الأمر في استصدار القرار
1559 (أيلول عام 2004)، من اجل إخراج القوات السورية
من لبنان وتجريد المقاومة الوطنية والإسلامية
اللبنانية من سلاحها، كما استخدمت الولايات المتحدة
الأمريكية مجلس الأمن الدولي عبر استصدار القرار 1664
(29 آذار 2006)، من اجل تشكيل محكمة دولية تتعلق
باغتيال الرئيس رفيق الحريري واتبعته بالقرار 1757
الصادر تحت الفصل السابع، والهدف من القرارين هو اتهام
سورية وحصارها وملاحقتها دوليا بعد تلفيق تهم لا أساس
لها من الصحة وقد تم التراجع عن هذا الاتهام بعد أكثر
من أربع سنوات حيث تمت الاستدارة نحو المقاومة ممثلة
بحزب الله بهدف محاصرة الحزب واعتباره منظمة إرهابية
يتوجب على المجتمع الدولي ملاحقته، وها هي تقوم هذه
الأيام وتحت غطاء من قرار مجلس الأمن الدولي رقم
1973 المتعلق بمجريات الأحداث في ليبيا والذي جاء
حصريا من اجل حظر الطيران الحربي الليبي ومنعه من قتل
المواطنين حيث قامت وتقوم ومعها الشركاء في حلف
الأطلسي بغارات تقتل المواطنين الليبيين وكذلك اغتيال
أبناء القذافي وأحفاده. وتحت مظلة مجلس الأمن الدولي
أقدمت الإدارة الأمريكية على اغتيال رئيس تنظيم
القاعدة في باكستان ذلك لان دخولها المنطقة قبل عشر
سنوات جاء بقرار من مجلس الأمن الدولي وبذلت ومعها
الشركاء من الدول الغربية من اجل انتزاع قرار من مجلس
الأمن الدولي ضد سورية التي يتعرض الأمن الوطني فيها
لعدم الاستقرار بسبب ما تقوم به عصابات مسلحة تمارس
أعمال الإجرام والقتل ضد المواطنين السوريين وقوات
الأمن والجيش السوري، وقد أفشلت روسيا والصين ودول
أخرى استصدار مثل هذا القرار الإجرامي.
ولا بد لنا وان نشير بأن الولايات المتحدة الأمريكية
كانت قد فشلت باستصدار قرار من مجلس الأمن الدولي لشن
حرب عدوانية على العراق والتي أقدمت عليها في التاسع
عشر من شهر آذار عام 2003م، لكن مجلس الأمن الدولي لم
يمارس الصلاحيات التي منحه إياها الميثاق بمنع هذا
العدوان نظرا لعجزه لأنه واقع تحت الهيمنة الأمريكية،
أي أن مجلس الأمن الدولي وقف متفرجا على العدوان
الأمريكي والأطلسي ضد العراق وشعبه مما أثار الشكوك
حول دور هذا المجلس في منع العدوان على الآخرين، خاصة
وان العدوان يشكل انتهاكا للمادتين الأولى والثانية من
ميثاق الأمم المتحدة حيث تنص المادتان على عدم استخدام
القوة ضد الآخرين وعدم التدخل في الشؤون الداخلية
للدول الأخرى. هذا إضافة إلى إقدام الولايات المتحدة
الأمريكية على منع مجلس الأمن من القيام بواجبه ضد
الجهات المعتدية على الآخرين أو حتى إدانة المعتدي
وهذا ما ظهر بشكل واضح وجلي فيما يتعلق بالصراع العربي
– الإسرائيلي ، حيث استعملت الإدارة الأمريكية حق
الاعتراض "الفيتو" ضد قرارات مجلس الأمن التي تشير
بشكل أو بأخر إلى العدوان الصهيوني المستمر ضد شعب
فلسطين والعرب الآخرين في لبنان ومصر وسورية والأردن
وغيرها من الأقطار العربية التي طالما تعرضت للعدوان
الصهيوني مثلما أفشلت الإدارة الأمريكية الحالية اتخاذ
مجلس الأمن الدولي قرارا يتعلق بالاستيطان الصهيوني في
الأرض العربية الفلسطينية المحتلة. طبعا، يعتبر مجلس
الأمن الدولي الجهة التي ارتكبت اكبر جريمة تاريخية
بحق الشعب العربي الفلسطيني بإصداره القرار 181 عام
1947م المتعلق بتقسيم فلسطين العربية بين يهود غرباء
لا حق لهم في الأرض وبين أصحاب الأرض الأصليين وهذا ما
جعل الصهاينة يقيمون كيانهم الغاصب فوق ارض فلسطين وان
يمارسوا القتل والإرهاب والطرد والتشريد والتهجير
لأصحاب هذه الأرض بينما وقف المجلس عاجزا امام تنفيذ
القرار الصادر عن هيئة الأمم المتحدة رقم 194 الصادر
بتاريخ 29/11/1948م والمتعلق بحق العودة للاجئين
الفلسطينيين إلى وطنهم وديارهم التي تم تشريدهم منها
بالقوة والبطش والإرهاب. كما فشل مجلس الأمن الدولي
وبسبب الهيمنة الأمريكية في تنفيذ العديد من القرارات
المتعلقة بالصراع العربي – الصهيوني وبخاصة تلك التي
تتعلق بالعدوان الصهيوني واحتلال الأرض العربية ومن
أبرزها القرار 242 لعام 1967م والقرار 338 لعام 1973
وكذلك القرار الخاص باحتلال العدو لأرض لبنانية الرقم
425 الصادر في شهر آذار عام 1978.
هذا في الوقت الذي عملت فيه الإدارات الأمريكية
المتعاقبة وعبر ممارسة الضغوطات على العديد من دول
العالم لإلغاء القرار 3379 الصادر في العاشر من شهر
تشرين الثاني عام 1975م عن هيئة الأمم المتحدة والذي
يعتبر الصهيونية شكلا من أشكال العنصرية حيث تم إلغاء
هذا القرار في السادس عشر من كانون الأول عام 1991م.
هذا إضافة إلى منع مجلس الأمن الدولي من إصدار قرار
يدين العدوان الصهيوني على قطاع غزة أواخر عام 2008م.
لقد عجز مجلس الأمن الدولي في معالجة القضايا الدولية
وإقرار السلم والأمن الدوليين بسبب تسلط الولايات
المتحدة الأمريكية عليه وتوجيه قراراته الموجهة التي
تريد في غالب الأحيان مما يجعلنا نؤكد على أن سياسات
التفرد واستغلال المؤسسات الدولية ويأتي في مقدمتها
مجلس الأمن الدولي لخدمة المصالح الامبريالية تجعل هذه
المؤسسات تبتعد عن ميثاقها والدور المنوط بها وتصبح
أداة لتغطية القتل والإجرام بدلا من كونها أداة للسلام
والأمن والاستقرار في العالم، كما يجعلنا نؤكد على أن
هذه المؤسسات ومجلس الأمن الدولي على رأسها سوف تبقى
مرتهنة للسياسات الأمريكية ومقيدة بالرغبات الأمريكية
بحيث تصدر القرارات وفقا للمصالح والرغبات الأمريكية ،
وهذا يجعلنا نقول مرة أخرى بأن مجلس الأمن الدولي بسبب
هذا الارتهان عبارة عن مؤسسة تخدم الأطماع والمصالح
الأمريكية ويتم تحت مظلتها ارتكاب كل الجرائم والآثام
بحق العديد من دول هذا العام وبخاصة تلك التي ترفض
التبعية لأمريكا وسياساتها المعادية للشعوب.
عمان 8/5/2011
Email:fuad@abpparty.org
|