منظمة "ايباك" صانع أساسي للسياسة الأمريكية

 

من الواضح وفقا لمجريات الأحداث والسياسات التي انتهجتها الإدارات الأمريكية المتعاقبة بشكل عام وإدارة الرئيس باراك اوباما بشكل خاص التأثير الكبير للمنظمات اليهودية والصهيونية حيث تتحكم هذه المنظمات في رسم السياسات من خلال شبكة المؤسسات وبخاصة الشركات الرأسمالية والهيئات المالية والإعلام والمؤسسات العسكرية والسياسية وهي شبكات ومؤسسات تعمل بتخطيط وتوجيه من الجماعات اليهودية واللوبي الصهيوني التي تشكل منظمة "الايباك" القوة الأكثر نشاطا وقدرة في هذا اللوبي. وقبل الحديث عن منظمة ايباك وأهدافها التي تصب جميعا في خدمة الكيان الصهيوني بخاصة واليهود بعامة لا بد وان نتوقف عند معنى اللوبي ودلالاته والذي هو مصطلح يطلق على مجموعة أو مجموعات تعمل بشكل منظم  في ممارسة ضغوط على مراكز صنع القرار في الاتجاه الذي يخدم الأهداف التي تعمل على تحقيقها، واللوبي الصهيوني في الولايات المتحدة الأمريكية يشمل اليهود والصهاينة وأنصارهم الذين يسعون وباستخدام كل الوسائل لإجبار صانع القرار الأمريكي على اتخاذ القرارات المؤيدة للكيان الصهيوني ومصالح اليهود في هذا الكيان وخارجه . وبالعودة إلى منظمة "الايباك" التي تشكل المنظمة الأهم والأكثر نشاطا وتأثيراً في مجموعة اللوبي الصهيوني واليهودي وذلك عبر الانتشار الكبير في معظم الولايات المتحدة الأمريكية تحت اسم "لجنة الشؤون العامة الأمريكية الإسرائيلية"، مما جعلها المنظمة الأقوى التي يستخدمها الصهاينة في تحقيق مصالح كيانهم الغاصب في فلسطين، حيث تضم هذه المنظمة مؤسسات وشركات وأفراد وصناديق أموال علنية وسرية ومراكز دراسات متخصصة وشبكة واسعة من المنظمات السرية والعلنية التي تعمل جميعا من اجل تحقيق أهداف تم وضعها وتصب جميعها في مصلحة اليهود والصهاينة ومن ابرز هذه الأهداف وأهمها: الحفاظ على وحدة "الشعب اليهودي" عبر تجميعه في "إسرائيل" عن طريق الهجرة والمحافظة على هويته وحماية الحقوق اليهودية في كل مكان والدفاع عن الكيان الصهيوني وتوفير مستلزمات أمنه واستمرارية وجوده عبر تحضير وتهيئة الأجيال لقيادة الكيان. وهذا يتطلب التحرك المباشر مع المؤسسات الأمريكية وبخاصة الكونجرس لكسب اكبر عدد من أعضائه لدعم مخططاتهم الهادفة لخدمة الكيان الصهيوني وقد تمثل تحقيق هذه الأهداف بوقوف اللوبي الصهيوني بعامة ومنظمة الايباك بخاصة وراء السياسات الأمريكية والحروب الأمريكية ضد العرب ويأتي في المقدمة منها الحرب العدوانية ضد العراق في شهر آذار عام 2003 حيث شكلت هذه المنظمة المحرض الأقوى والأكبر داخل الولايات المتحدة الأمريكية على احتلال العراق ساندها في ذلك فئة من المحافظين الجدد الذين تربطهم صلات وثيقة بحزب الليكود الصهيوني الذي يتزعمه هذه الأيام رئيس حكومة العدو بنيامين نتنياهو، مثلما تشكل هذه المنظمة المحرض الرئيسي ضد امتلاك إيران للطاقة النووية بذريعة أن هذا الأمر يشكل خطورة كبرى على امن الكيان الصهيوني . كما كان لهذه المنظمة الدور الأساسي في الانتشار العسكري الواسع في المنطقة عبر القواعد البرية والبوارج البحرية للحفاظ على مصالح الولايات المتحدة الاقتصادية والعسكرية والسياسية وتوفير الأمن والدعم للكيان الصهيوني في تحقيق مشروعه الاستعماري التوسعي على حساب ارض العرب وثرواتهم ومصالحهم. وهذا يدل على أن منظمة الايباك تلعب دورا أساسيا، أن لم نقل الدور الأساسي في تحديد مسار السياسة الأمريكية الخارجية بما يخدم مصالح الكيان الصهيوني التي تحددها حكومات هذا الكيان بما يعني دفع الإدارات الأمريكية لاتخاذ مواقف وسياسات وقرارات تخدم هذه المصالح عبر نفوذ منظمة "الايباك" ولنا من المشهد السياسي الذي حصل قبل أيام الدليل الواضح فبعد أن أعلن الرئيس الأمريكي باراك اوباما في خطابه يوم الخميس التاسع عشر من أيار عن توجه أمريكي بالقبول بإقامة دولة فلسطينية منزوعة السلاح فوق الأرض الفلسطينية التي تم احتلالها اثر عدوان الخامس من حزيران عام 1967م تصدى له رئيس حكومة العدو الصهيوني نتنياهو رافضا القبول بمثل هذه الدولة فوق كامل الأرض المحتلة عام 1967، مدعيا بأن إقامة هذه الدولة تشكل خطرا يتهدد امن الكيان الصهيوني بذريعة أن "حدود" هذه الدولة تجعل الكيان الصهيوني غير قادر على الدفاع عن الكيان وهذا يتطلب احتفاظ الكيان الصهيوني بمساحات معينة من ارض الضفة  الغربية المحتلة كما أعلن تمسكه بالقدس الموحدة كعاصمة للكيان الصهيوني فما كان من اوباما إلا أن يرضخ  ويتراجع عن موقفه امام مؤتمر الايباك بعد أيام قليلة بسبب ما تمثله هذه المنظمة من تأثير في الانتخابات الأمريكية سواء انتخابات الرئاسة التي يطمح اوباما على تجديدها لنفسه ا و انتخابات الكونجرس.

أن كل ذلك يعني أن اوباما لا يملك رؤية ولا سياسة مستقلة فهو محكوم بمصالحه الشخصية ولا يصلح إطلاقا أن يكون وسيطا نزيها لأنه ليس كذلك مثلما لا يجوز إطلاقا أيضا أن يراهن احد من العرب وبالذات السلطة الفلسطينية على مثل هذه الوساطة الأمريكية في الوصول إلى أية حلول تعطي الشعب الفلسطيني ولو جزءا يسيرا من حقوقه خاصة وان نتنياهو قد أعلن ومن واشنطن رفضه لقيام دولة فلسطينية حتى لو كانت مجردة من السلاح إلا بشروطه كما أعلن انه لا تقسيم للقدس ولا حل لمشكلة اللاجئين الفلسطينيين ضمن ما اسماه بحدود "الدولة اليهودية" ولا تفاوض مع السلطة في ظل المصالحة مع "حماس" وهو قد اعتمد في طرح هذه المواقف على نفوذ منظمة ايباك في توجيه القرار في الولايات المتحدة الأمريكية.

ولنا في الأحداث الجارية في سورية هذه الأيام دليل أخر على نفوذ منظمة "الايباك" التي تدفع وبكل قوة  إدارة اوباما لاتخاذ سياسات معادية للنظام في سورية لأنها ترى في هذا النظام وسياساته خطرا على الكيان الصهيوني وذلك عبر مواقف سورية في دعم المقاومة في فلسطين ولبنان والعراق ورفضها تمرير مشروع الشرق الأوسط الذي يخدم مصالح الكيان الصهيوني والولايات المتحدة الأمريكية التي تهدف الى إنزال المزيد من التجزئة في أقطار الوطن العربي بل تفتيتها لإضعافها مما يسهل تنفيذ الأطماع الصهيونية في الثروات العربية وانتشارها في المنطقة كما لنا أيضا في محاولات إدارة اوباما استيعاب ثورة مصر عبر المال دليل واضح في خدمة الكيان الصهيوني.

ونخلص إلى القول بأن قادة الكيان الصهيوني وحكوماته المتعاقبة يمارسون البطش والقتل والإرهاب واغتصاب الأرض وإقامة المستعمرات الاستيطانية عليها ويعملون على تنفيذ مشروعهم اعتمادا على اللوبي الصهيوني ومنظمة "الايباك" التي لها تأثيرها الكبير في توجيه السياسة الأمريكية عبر نفوذها المعتمد على امتلاكها للمؤسسات التي ذكرناها، مالية، إعلامية، ثقافية، عسكرية.. مما يجعلنا نقول بأن هذه المنظمة تصنع السياسة الأمريكية الخارجية لخدمة مصالح الكيان الصهيوني ويهود العالم.

 

عمان 29/5/2011

Email:fuad@abpparty.org