الديمقراطية والحرية في المفهوم الامبريالي

 

يظهر المشهد الناجم عن السياسة الامبريالية الأمريكية المتمثل في السعي للسيطرة على مقدرات الشعوب وبخاصة في منطقة ما يسمى بالشرق الأوسط وشرق أسيا وإفريقيا بأنها تعمل من اجل تغيير بنية الدول وإدخال شعوبها ومجتمعاتها في دوامات من العنف والقتل والدمار وليس في ما تدعيه حول السعي لتحقيق الديمقراطية والحرية والحفاظ على حقوق الإنسان ويتم تجسيد هذا الأمر في الحروب التي أقدمت عليها إداراتها المتعاقبة وبخاصة في أفغانستان حيث أوقعت القتل والدمار والخراب والذي ما زال مستمرا وكذلك هو الحال في باكستان والعراق الذي تعرض لغزو امبريالي أمريكي بريطاني أسفر عن قتل مئات الآلاف من أبناء الشعب وتدمير مؤسساته وخلق فئة طائفية ومذهبية وعرقية مثلما تتدخل هذه الإدارات في الشؤون الداخلية للعديد  من الأقطار والبلدان الأخرى لزعزعة الأمن والاستقرار فيها وزرع بذور الفتن والتقسيم فيها مثلما يجري في لبنان إلى السودان إلى ليبيا التي تتعرض إلى غارات حلف الأطلسي بقيادة الولايات المتحدة الأمريكية.

اما سورية التي تتعرض لمؤامرة أمريكية قديمة جديدة تستهدف النظام والشعب منذ العام 1979 حيث أقدمت الولايات المتحدة الأمريكية على وضعها في مصاف الدول الداعمة للإرهاب وفق المفهوم الأمريكي الذي يعتبر المقاومة والدفاع عن النفس في مواجهة العدوان وبخاصة العدوان الصهيوني إرهابا، وتوالت الأعمال والسياسات العدائية لسورية التي تنهج سياسة وطنية وقومية تتمسك من خلالها بالحقوق والثوابت الوطنية والقومية وتواجه المشاريع والسياسات الأمريكية والصهيونية الهادفة إلى بناء شرق أوسط جديد يهدف إلى تمزيق الأقطار العربية وتصفية القضية الفلسطينية لصالح المشروع الصهيوني والامبريالي وقد بلغ العدوان ضد سورية ذروته في محاولة خلق فتنة داخلية أدواتها فئات ضالة وأخرى باعت نفسها بالدولار. ونحن هنا نميز بين القوى الوطنية السورية التي تطالب بالإصلاحات والفئات الإرهابية التي أقدمت على أعمال القتل والحرق والتخريب والتدمير في العديد من المدن والقرى السورية هذه الفئات التي تسيرها الولايات المتحدة الأمريكية التي رسمت أجهزة استخباراتها مشاريع ومخططات لحروب عصابات وتشكيل خلايا ووحدات في الدول التي تستهدفها كما تعتمد أجهزة الاستخبارات الأمريكية على قوى محلية منشقة تعمل على تدمير الوطن تحت ذريعة الديمقراطية والحرية والإصلاح لتحقيق أهدافها في تمزيق الأوطان إلى وحدات جغرافية تقوم على أسس طائفية وعرقية وتسويق مقولات كالديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان كغطاء زائف لنواياها الحقيقية، حيث أن إستراتيجية الديمقراطية والحرية التي أعدها صناع السياسة الأمريكية للأقطار العربية وبخاصة التي ترفض الرضوخ لسياساتها ويأتي في مقدمة هذه الأقطار القطر العربي السوري تمثل أساس البلاء والمصائب التي تواجهها هذه الأقطار سيما وان الإدارة الأمريكية تبرر سياساتها بمصطلحات افتراء على المجتمعات العربية والإسلامية حيث تتهمها بأنها كيانات بعيدة في جوهرها عن الالتزام بحقوق المواطن مما يتطلب، من وجهة نظرها، التدخل للتغيير إلى مسار ديمقراطي وهي في حقيقة الأمر إنما تعمل من اجل مصالحها ومصالح الشريك الأساسي في المنطقة، الكيان الصهيوني.

وتؤكد الأحداث الجارية في سورية هذه الأيام النوايا الحقيقية للسياسات الأمريكية الصهيونية حيث تواجه الإدارة الأمريكية إقدام القيادة السورية على خطوات حقيقية باتجاه الإصلاح والمتمثلة في إلغاء قانون الطوارئ وإصدار قانون العفو العام ووضع مشروع قانون انتخابات برلمانية والطلب من الشعب إبداء الرأي فيه وتشكيل لجنة للحوار الوطني المفتوح لكافة القوى في الداخل والخارج للمشاركة فيه وتشكيل لجان أخرى لوضع مشاريع قوانين للأحزاب السياسية والإصلاحات في مسارات متعددة، هذه الخطوات والإجراءات تواجهها الإدارة الأمريكية والقوى المرتبطة بها بالرفض تارة وباعتبارها غير كافية تارة أخرى مما يؤكد نوايا الإدارة الأمريكية الحقيقية تجاه سورية والمتمثلة في إخضاعها للشروط الأمريكية الصهيونية التي طالما عبر عنها الشريكان المتعلقة بابتعاد سورية عن إيران ووقف دعمها للقوى التي تقاوم الاحتلال الصهيوني لفلسطين وأراض سورية ولبنانية والأمريكي للعراق وهي تطالب القيادة السورية بأن تتجه نحو الكيان الصهيوني لإبرام اتفاقيات معه وفقا لمصالحه وليس مصالح سورية والعرب وبخاصة الشعب العربي الفلسطيني المحتلة أرضه والمسلوبة حقوقه المشروعة.

أي أن الإدارة الأمريكية الحالية والإدارات التي سبقتها تتعاطى مع المنطقة وفقا لمصالحها ومصالح الكيان الصهيوني وليس تعاطيا أساسه الأخلاق والقيم الديمقراطية وحقوق الإنسان كما تدعي، بدليل المعايير المختلفة لمواقفها وسياساتها التي تقوم على الرؤية بعين واحدة هي العين الصهيونية . ويؤكد ذلك ما قدمت وتقدم الإدارات الأمريكية من دعم مادي وعسكري وسياسي ومالي  للكيان الصهيوني الذي يحتل ارض الغير ويشرد أصحابها ويمارس اشد أنواع القتل والبطش والإرهاب والاغتيال والحصار والتجويع ضد شعب بأكمله وهذه الممارسات لا تشكل انتهاكا للديمقراطية والحرية وحقوق الإنسان من وجهة النظر الأمريكية... ما دامت الجهة التي تمارسها شريكة أو حليفة أو تدور في فلك السياسة الأمريكية.

أما سورية فهي خارجة على القانون حسب الرؤية الأمريكية وبالتالي فيجب استهدافها وزعزعة الأمن والاستقرار فيها وتسليط عصابات إرهابية لممارسة القتل والاغتيال ذلك لان سورية تمثل مواقف وسياسات لا تتساوق مع السياسات الأمريكية بل تواجهها كما أن استهداف سورية إنما يعني من وجهة النظر الأمريكية استهداف المنطقة بأسرها حيث تشكل سورية العقبة الأساسية التي تحول دون تنفيذ المشروع الأمريكي وتغلق طريق العبور الصهيوني إلى المنطقة لتحقيق المشروع القائم على التوسع والتحكم بمقدرات الأمة وثرواتها. والأحداث التي تتعرض لها سورية ليست جديدة كما أسلفنا، بل هي حلقة من تاريخ عدائي تراكمي طويل من جملته قانون محاسبة سورية الذي أصدره الكونجرس الأمريكي، وكذلك القرار 1559 الصادر في شهر أيلول عام 1994م عن مجلس الأمن الدولي المرتهن لأمريكا واتهام سورية تحديدا ودون غيرها باغتيال الرئيس رفيق الحريري وتشكيل محكمة دولية لمحاكمتها وستأتي حلقات أخرى في هذا التاريخ العدائي لسورية ذلك لأنها قيادة وشعبا تتمسك بالمبادئ الوطنية والقومية وبقرارها السيادي المستقل وترفض بالمطلق الخضوع والاستسلام لمشيئة الإدارات الأمريكية التي تضع مصالح الحركة الصهيونية على رأس سلم أولوياتها.

نعود لنؤكد على أن الإدارة الأمريكية ومعها الدول الأوروبية الاستعمارية التي انتهجت سياسة العقوبات الظالمة ضد القيادة السورية تسعى إلى تطويع كل دول المنطقة لسياساتها بذريعة الحرية والديمقراطية وما تدعيه إدارة اوباما من حرص على القيم الديمقراطية ما هو إلا تضليل وأداة لتنفيذ مشروعها التي تعمل جاهدة من اجل تحقيق القائم على الهيمنة على المنطقة ومقدراتها وتوفير الحماية والأمن للكيان الصهيوني.

بمعنى أن الديمقراطية التي تسعى الإدارة الأمريكية لتحقيقها ما هي إلا عملية استيعاب للدولة السياسية وجعل المجتمع المدني فيها تابعا لهذه الدولة المستوعبة، وأخيرا نتساءل، هل يمكن أن تصبح الديمقراطية أداة في يد القوى الامبريالية والاستعمارية لهدر دم الشعوب؟ وهل يصبح مطلب الإصلاح والحرية أداة للقتل والإرهاب والتدمير وإلحاق الخراب بالمؤسسات العامة والخاصة في الوطن؟ وهل يمكن أن يتحول مطلب الديمقراطية والإصلاح إلى حرب شرسة تستهدف امن المجتمع؟

أن ما يحقق الأمن للمجتمع هو الإصلاح المرتبط بالتطوير والتحديث، ونثق بأن الشعب العربي وقيادته في سورية لديهم القدرة على تجاوز المرحلة الصعبة وإفشال المخططات الامبريالية والصهيونية وأدواتهما من الدول الاستعمارية والفئات الإرهابية الضالة من خلال ما يملكه الشعب والقيادة من فكر ووعي ومسؤولية وطنية وقومية.

 عمان 5/6/2011

Email:fuad@abpparty.org