لبنان
الأهداف السياسية للمحكمة الدولية
من المعروف أن عملية التحقيق في أي جريمة يتجه نحو
البحث عن الأدلة للكشف عن حقيقة من ارتكب هذه الجريمة
لتقديمه إلى المحكمة حيث تتم محاكمته وفقا للقانون
وليس توجيه الاتهام المسبق الذي لا يعتمد على أي دليل
ثم العمل على استحضار قرائن وأدلة باطلة ومزورة لتثبيت
هذا الاتهام الذي يستهدف الجهة التي تم توجيه الاتهام
إليها من اجل تحقيق هدف سياسي للجهة التي وجهت الاتهام
وهذا ما حصل فعليا وفق ما تؤكده الوقائع في عملية
جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري حيث تم اتهام سورية
بعد الدقائق الأولى من وقوع الجريمة في الرابع عشر من
شباط عام 2005م، ولم يأت هذا الاتهام من فراغ بل جاء
استكمالا للقرار رقم 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي
في أيلول عام 2004م بترتيب من الإدارة الأمريكية
والقيادة الفرنسية ومعهما الحكومة الصهيونية وجهات
لبنانية بهدف إخراج سورية من لبنان وتجريد المقاومة
الوطنية اللبنانية من سلاحها خدمة لمصالح هذه الجهات
بعامة ولأمن الكيان الصهيوني بشكل خاص. وجاءت عملية
اغتيال الحريري لتخدم أهداف هذه الجهات أيضا، وهذا ما
تؤكده وقائع التحقيق ومساره خاصة وان التحقيق الدولي
وتشكيل المحكمة ذات الطابع الدولي المرتبطة بهذا
التحقيق بقرار صادر عن مجلس الأمن الدولي تحت رقم 1757
وفقا للفصل السابع قد جاء بضغط وتوجيه من الجهات
نفسها.
وإذا ما توقفنا عند مجريات التحقيق الذي بدأ فعلا
بالبحث عن شهادات مزورة ولشهود تمت صناعتهم وتلقينهم
ما عليهم أن يسردوا في الشهادات لتثبيت الاتهام ضد
سورية حيث استمر هذا الاتهام لمدة تزيد عن أربع سنوات،
وكذلك توجيه اتهامات لأربعة من كبار ضباط الأمن والجيش
في لبنان واعتقال هؤلاء الضباط لمدة لا تقل عن الأربع
سنوات أيضا، والنتائج التي أدت إليها مثل هذه
الاتهامات، لسورية والضباط، هذه النتائج تمثلت في وصول
المجموعات التي تطلق على نفسها فريق الرابع عشر من
آذار إلى تسلم السلطة في لبنان وممارسة عملية فبركة
الأدلة وصناعة شهود الزور والسير في لبنان وفقا
لتوجيهات الإدارة الأمريكية ومعها القيادة الفرنسية،
وكان من هذه النتائج أيضا الانسحاب التام للقوات
السورية التي دخلت لبنان من اجل وقف نزيف الدم
اللبناني أثناء الحرب الأهلية التي كانت قائمة فيه وقد
تم هذا الانسحاب في السادس والعشرين من شهر نيسان عام
2005م، أي بعد اقل من ثلاثة أشهر من عملية الاغتيال
كما نتج عن هذه الجريمة والتحقيق الموجه والمزور
والاتهام الباطل خلق حالة من الانقسام الطائفي
والمذهبي في لبنان وحالة سياسية أرادتها الجهات
المعادية للبنان وسورية والأمة العربية ذلك لان التوتر
في لبنان بين الطوائف وقطرين عربيين هما الأقرب
جغرافيا وتاريخيا واجتماعيا والدفع باتجاه تخلي لبنان
عن النهج الوطني والقومي ومعاداة المقاومة التي تدافع
عن الأرض والوطن والشعب المستهدف من العدو الصهيوني
وقدمت قوافل الشهداء من اجل تحرير الأرض من الاحتلال
الصهيوني إنما يخدم السياسات والمشاريع الأمريكية في
المنطقة مثلما يخدم امن الكيان الصهيوني الشريك
الأساسي الاستراتيجي لها، ولكن ورغم تشويه الحقائق
والتزوير والتحريض على سورية والمقاومة لم تصل هذه
الجهات مجتمعة إلى تحقيق كامل الأهداف المترتبة على
عملية الاغتيال وتزوير التحقيق فكانت الحرب العدوانية
الأمريكية بالأداة الصهيونية في الثاني عشر من تموز
عام 2006م من اجل سحق المقاومة والإجهاز عليها، ومن ثم
إضعاف سورية والضغط عليها كي ترضخ للشروط الأمريكية
المتمثلة بفك علاقاتها مع إيران ووقف دعمها للمقامة في
فلسطين والعراق وتمرير المشروع الأمريكي الصهيوني الذي
يستهدف تمزيق الدول في المنطقة وتحويلها إلى كيانات
هزيلة ضعيفة غير قادرة على الوقوف ضد نهب ثروات
المنطقة وبخاصة النفطية منها، ولكن هذا العدوان قد فشل
وخرجت المقاومة الوطنية بعامة وحزب الله بخاصة أقوى
مما كانت عليه قبل العدوان، كما هو الحال مع سورية
الداعمة لهذه المقاومة وهنا كان لا بد من العودة إلى
المحكمة الدولية، التي أعادت النظر في اتهاماتها
ومسارها السابق فقامت بتبرئة سورية من عملية الاغتيال
بإعلان من سعد الدين رفيق الحريري الذي أعلن البراءة
ووصف الاتهام بأنه اتهاما سياسيا، واعترف بوجود شهود
الزور، كما تم إطلاق سراح الضباط الأربعة. واختطت
الجهات نفسها خطة جديدة وسلكت طريقا أخر لتحقيق الهدف
الرئيسي من عملية الاغتيال المتمثل بتجريد المقاومة من
سلاحها أو خلق فتنة طائفية تؤدي إلى حرب أهلية مدمرة
تصيب لبنان مثلما تصيب سورية في هذا الوقت بالتحديد
حيث تواجه سورية مؤامرة كبيرة خططت لها نفس هذه الجهات
التي خططت للقرار 1559، والتحقيق المزور والمحكمة
الدولية ذات الأهداف السياسية.
وكانت هذه الخطة تقوم على توجيه الاتهام نحو حزب الله
والتي تم تتويجها بإصدار قرار اتهام لأربعة من أعضائه
البارزين في مقاومة العدو الصهيوني، ومن الطبيعي أن
مثل هذا القرار الاتهامي المزور أيضا والبعيد عن
الحقيقة سوف يلقي بظلاله السوداء على الأوضاع في لبنان
وكذلك على الأوضاع في سورية خاصة وان المدعي العام
لهذه المحكمة قد أعلن انه بصدد إصدار قرارات اتهام
أخرى ربما تتجه نحو سورية في الوقت الذي يناسب الجهات
الضالعة منذ البداية في مؤامرة الاغتيال والتحقيق
والمحكمة، وهذا ما ظهر بشكل واضح أثناء مناقشة بيان
الحكومة اللبنانية الجديدة برئاسة السيد نجيب ميقاتي
وعضوية تجمع القوى الوطنية المقاومة والداعمة لهذه
المقاومة.
بمعنى أن المحكمة الدولية تقوم في هذه الأيام وعبر
قرار الاتهام بتحقيق أهداف سياسية مدمرة للبنان وليس
العمل على كشف حقيقة اغتيال الحريري، خاصة وان قرارها
الاتهامي جاء بهدف إشعال فتنة طائفية ومذهبية تدمر
لبنان وأهله وتصل في لهيب نيرانها إلى سورية لدعم
المؤامرة التي تستهدفها حيث أن هذه المؤامرة قد أصابها
الوهن وأصبحت في نهاياتها بفضل التفاف الشعب العربي
السوري حول قيادته التي استجابت إلى عملية الإصلاح
وأعلنت عن مشاريع قوانين تنظم الحياة الديمقراطية
وبدأت فعليا في حوار لإخراج الوطن من الأزمة التي
خلقتها قوى الشر المكونة من الأمريكان والفرنسيين
والدول الغربية الأخرى ومعها جهات داخلية حاقدة أو
مأجورة مرتبطة بها.
كما نستطيع أن نؤكد أيضا أن لجنة التحقيق الدولية
والمحكمة بمسارها ومجرياتها ووقائعها واتهاماتها
المتعددة الأوجه إنما تدل بوضوح على هيمنة القطب
الأوحد الذي يعتمد منطق القوة العسكرية والمادية
والصناعية والنفوذ المالي والسياسي المتمثل بتوجيه
المؤسسات الدولية لخدمة مصالحه المرتبطة دائما مع
مصالح العدو الصهيوني وهذا واضح أيضا من الضغوطات التي
تمارسها الإدارة الأمريكية لمنع تقديم السلطة
الفلسطينية لطلب الاعتراف بدولة فلسطينية إلى الأمم
المتحدة، كما تؤكد هذه السياسات أن القانون الدولي
والمواثيق الدولية التي قامت في الأصل من اجل تحقيق
العدالة الدولية قد انتهكت وما زالت تنتهك من هذا
القطب الخارج على العدالة والقانون والسائر في طريق
واحد يوصله إلى تحقيق أهدافه ومصالحه السياسية
والاقتصادية وتوفير الأمن والحماية للشريك الصهيوني.
نعود إلى المحكمة الدولية فقد تم صدور قرار الاتهام
عندما كانت الحكومة اللبنانية مجتمعة من اجل إقرار
الصيغة النهائية لبيانها الوزاري، لنقول بأن القوى
الوطنية والمقاومة وسورية وكل الشرفاء في الوطن العربي
وحتى في العالم إنما يسعون بجدية لمعرفة حقيقة اغتيال
الحريري وكشف النقاب عن الجهات الفاعلة تخطيطا وتنفيذا
ومعاقبة المرتكبين الحقيقيين لهذه الجريمة النكراء
التي أحدثت فعلا زلزالا سياسيا طال لبنان وسورية وهذه
المعرفة تتطلب تحقيقا عادلا وشفافا ومحكمة دولية نزيهة
وليس محكمة قائمة على التزوير وفبركة الأدلة البعيدة
كل البعد عن العدالة واحترام القانون. وهي قد قامت
أصلا من اجل تحقيق أهداف سياسية تخدم الجهات التي جاءت
بها ووقفت وراءها.
وأخيرا يحق لنا أن نتساءل عن العدالة الدولية في ظل
الهيمنة الأمريكية ، أين عدالة الولايات المتحدة
الأمريكية والمحاكم الدولية ومجلس الأمن المسمى زورا
وبهتانا "بمجلس الأمن الدولي" من تنفيذ قرار المحكمة
الدولية الخاص بجدار الفصل الذي أقامته حكومات العدو
الصهيوني ليقتطع مساحات واسعة من ارض الشعب العربي
الفلسطيني، ذلك القرار الذي أدان الصهاينة بالاعتداء
على هذه الأرض وأصحابها والذي صدر في التاسع من شهر
تموز عام 2004م أي قبل سبع سنوات ولماذا لم يتم تنفيذ
هذا القرار مع انه قائم على الحقائق والأدلة والبراهين
وليس على التزوير وصناعة شهود الزور؟! أين القرار الذي
اتخذ للتحقيق حول ما قام به العدو الصهيوني في مخيم
جنين ولماذا لم يتم تنفيذه؟ نعم أين المصداقية وأين
العدالة الدولية في ظل الهيمنة الأمريكية؟ ثم أين
الديمقراطية والعدالة والحقوق التي تدعي الولايات
المتحدة الأمريكية الحرص عليها؟ انها عدالة شريعة
الغاب السائدة في العالم في ظل الهيمنة الأمريكية
ونفوذ القطب الواحد...
عمان 11/7/2011
Email:fuad@abpparty.org
|