الديمقراطية والتحديات التي تواجه الأقطار العربية

 

 

تواجه أقطار الأمة العربية تحديات ومخاطر داخلية وخارجية متعددة تشمل المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، مثلما تواجه تحديات تتعلق بالتطوير والتحديث والانتقال إلى الديمقراطية الحقيقية، كما تواجه تحديات التنمية بكل أشكالها هذا إضافة إلى تحديات خارجية يأتي في مقدمتها المشروع الصهيوني والكيان الغاصب في فلسطين العربية وأهداف هذا المشروع التوسعية إلى جانب المشاريع الأمريكية التي تهدف إلى السيطرة على الوطن العربي ومقدراته والتحكم بالقرار العربي لتصبح أقطاره تابعة للسياسات الأمريكية والشركات الرأسمالية، وقد تجسدت المخاطر الخارجية في العدوان الصهيوني – الأمريكي على العديد من أقطار الوطن العربي حيث وقعت أراض عربية تحت الاحتلال والاغتصاب في فلسطين والعراق وسورية ولبنان والى إقامة قواعد عسكرية أمريكية برية وبحرية وجوية في العديد من أقطار الوطن العربي مثلما تجسد أيضا في محاولات خلق الفتن الطائفية والمذهبية والعرقية في عدد من أقطار الوطن، وقد ساعد الاستبداد السياسي وفقدان الديمقراطية في معظم أقطار الوطن العربي وإيثار حكام عرب لمصالحهم الخاصة على حساب مصالح الشعب الولايات المتحدة الأمريكية الشريك الاستراتيجي للعدو الصهيوني على تحقيق بعض أهداف مشاريعها، خاصة وان هؤلاء الحكام قد ابعدوا الشعب وقواه قسرا عن القيام بواجباته بالدفاع عن وطنه ومصالحه وحرمانه من ممارسة حقه في الإسهام في صياغة القوانين والتشريعات الخاصة بمسار حياته ومستقبل أجياله. وأدى سلوك الكثيرين من هؤلاء الحكام بسرقة المال العام إلى زيادة نسبة الفقر وزيادة معاناة المواطنين وتفاقمهما في بلداتهم

أن الشعب وقواه السياسية المنظمة هو المعني بمواجهة التحديات الداخلية منها والخارجية وهذا يحتاج إلى تنظيم وتعبئة وتوعية جماهيرية في كل أقطار الوطن باعتبار هذه الجماهير الشعبية الطرف الأساسي المعني بهذه المواجهة وهذا يتطلب امتلاك هذه الجماهير للحرية والإرادة الوطنية لتصبح قادرة على مواجهة التحديات الخارجية المتمثلة كما أسلفنا بالمشاريع الاستعمارية والصهيونية، والتحديات الداخلية التي يأتي في مقدمتها تدهور مستوى المعيشة للمواطنين وتوفير حاجاتهم الضرورية واستفحال البطالة والفقر وفرض القيود التي تحد من حرياتهم السياسية والاقتصادية والاجتماعية والمشهد القائم هذه الأيام في العديد من أقطار الوطن العربي يدل بوضوح على توجه جماهير الشعب العربي نحو فك اسرها  وكسر القيود المفروضة عليها وتحرير إرادتها لتتمكن من إطلاق طاقاتها الخلاقة  القادرة على الدفاع عن الوطن وعن حقوقها المشروعة. مثلما نشاهد هذه الجماهير وقد خرجت مطالبة بالديمقراطية والإصلاحات والتعددية السياسية والتداول السلمي للسلطة، وهذا يعني بأن الشعب العربي في كل أقطاره يتحرك من اجل الانتقال إلى مرحلة جديدة تكون الحرية والديمقراطية عمادها وقاعدتها ومرتكزها الأساسي وهذا يتطلب من السلطات الحاكمة الاستجابة لإرادة الجماهير الشعبية وقواها السياسية المنظمة التي تشكل الأحزاب السياسية والمؤسسات المنظمة الأخرى إطارها الجامع، لان الأحزاب وبسبب تنظيمها تأتي في مقدمة المؤسسات التي تجعل من أعضائها الأكثر قدرة على قيادة التوجه نحو المسار الديمقراطي والأكثر وعيا للديمقراطية بكل ابعادها وبالتالي السير على طريق تحقيق الحياة الديمقراطية بشكل صحي وسليم،

وبالطبع عندما نتحدث عن الديمقراطية فإننا نعني الديمقراطية بمفهومها ومعناها الواسع القائم على مبدأ الشعب مصدر السلطات وهذا يتطلب توفير الشروط الضرورية لمشاركته بكل مكوناته بصنع القرارات الخاصة بمسار حياته ويتم ذلك عبر تمكينه من اختيار من يمثله بإرادة حرة وفقا لقوانين ديمقراطية توفر للمجتمع نظاما سليما للعلاقات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية والثقافية مثلما تنظم العلاقات بين أفراد المجتمع والسلطات المختلفة بكل مكوناتها، التشريعية والتنفيذية والقضائية. ذلك لان الديمقراطية هي التجسيد السياسي العملي للحرية والتي تشمل، حرية التعبير والتنظيم، الحرية الثقافية والاجتماعية، والحرية السياسية بشكل خاص حيث تحقق إرادة الجماهير في التطوير والتحديث وقيادة المجتمع والدولة عبر التداول السلمي للسلطة المستند إلى التشريعات والقوانين التي يتم عبرها الوصول إلى مؤسسات الحكم وبخاصة المؤسسة التشريعية  "البرلمان".

طبعا، لا يفوتنا أن نؤكد على أن السير باتجاه الانتقال إلى الديمقراطية يكون فقط عبر الطرق والوسائل السلمية وانتهاج أسلوب الحوار والعمل الجماعي بروح الفريق الواحد، وهذا يتطلب بالضرورة تنظيم الجماهير وتوعيتها وتأطيرها كونها تشكل الركيزة الأساسية للنضال من اجل الديمقراطية، ولأنها تضمن حقوق المواطنين وتوفر الحماية اللازمة لهذه الحقوق. بمعنى أن الانتقال إلى الحياة الديمقراطية في أقطار الوطن العربي لا يتم بدون الاعتماد على الحركة الجماهيرية المنظمة في مؤسسات سياسية واجتماعية وثقافية تعمل على إشراك هذه الجماهير المنظمة في مؤسسات سياسية واجتماعية وثقافية تعمل جميعها على مشاركة هذه الجماهير بشكل فاعل يقوم على الوعي الديمقراطي  ومواجهة أي انحراف عن انتهاج الأساليب السلمية والحوار والذهاب إلى سلوك أساليب ضارة بالوطن والمجتمع مثل استخدام العنف والإرهاب والتخريب والقتل بدلا من الحوار وهي بذلك إنما تخدم مصالح جهات أجنبية معادية للوطن والأمة أو تخدم مصالح أنانية وذاتية لمن يعملون على اعتماد هذه الأساليب. ومن هنا نؤكد مرة أخرى على الوعي الديمقراطي لهذه المؤسسات والمنظمات وبخاصة الأحزاب السياسية التي تعمل بأعلى درجات الصدق من اجل الوطن والشعب والتي تعتمد في سيرها وسمارها الداخلي الأساليب الديمقراطية والتثقيف الذي يخلق الوعي بمصالح الوطن والأمة مما يجعلها تعزز قيادات سياسية واعية تسهم في قيادة المجتمع والانتقال به نحو التطور الديمقراطي وإنضاج ظروفه.

وبالتأكيد، وحتى تنجح هذه المؤسسات المنظمة في القيام بمهامها وواجباتها الوطنية والقومية في تهيئة المجتمع لممارسة الديمقراطية فلا بد من إزالة العراقيل والتعقيدات والقيود التي تفرضها السلطة الحاكمة عليها، بمعنى أن هذه المؤسسات لا تستطيع القيام بدورها المطلوب في بناء الديمقراطية في ظل الاستبداد والتسلط وفقدان الحرية في العمل الوطني البناء،

إننا لا نتعب من التأكيد على أهمية الحرية والديمقراطية لأننا نؤمن بأن لا تنمية اجتماعية أو اقتصادية أو أي تقدم اجتماعي بدون توفرهما وبدون سيادة العدالة والمساواة بين أفراد المجتمع دون تمييز فإن أول سبل الديمقراطية تكمن في مشاركة الشعب في صناعة القرارات والسياسات التي تتعلق بمسار حياته ومستقبل أجياله،  وبالتأكيد أيضا، فإنه لا قرار مستقل ولا سيادة دون الخروج من دائرة التبعية للسياسات الأجنبية وبخاصة الأمريكية الداعم الأساسي للعدو الصهيوني عبر إمداد هذا العدو بكل أسباب الوجود والاستمرار والقوة والتي يستخدمها لقتل العرب وتهديد مستقبلهم هنا الدعم الذي يجعل العدو يتمسك باحتلال الأرض العربية والاستمرار في انتهاك الحرمات والمقدسات. نعم. أن الحرية والديمقراطية السليمة هي ما يمكن العرب من امتلاك قرارهم الوطني والقومي السيادي المستقل وتجعلهم يتجهون نحو خيار الضرورة القومية وهي الوحدة حيث يمتلكون القوة والقدرة على مواجهة التحديات والأخطار وبخاصة الخارجية منها.

 

عمان 24/7/2011

Email:fuad@abpparty.org