|
الولايات المتحدة الأمريكية - فشل وأزمات
سعت الولايات المتحدة الأمريكية إلى قيادة العالم اثر انهيار الاتحاد السوفياتي وقد أصبحت الدولة الأقوى في العالم دون منافس بامتلاكها قوة عسكرية لا تضاهيها قوة أخرى وعملت بفعل توجهاتها السياسية الهادفة إلى السيطرة على العالم إلى نشر قواعد عسكرية برية وبحرية وجوية في العديد من الدول والبحار مما حملها أعباء مادية ضخمة، وقد استندت في ذلك إلى أوهام القوة وجبروتها مما جعلها تعتقد بأنها سوف تمسك بزمام الأمور في العالم دون منازع وان تصبح صاحبة الولاية عليه يسير وفق إرادتها ورغباتها ومصالحها وتتصرف به كما تشاء بلا قيود أو حدود وهذا النهج دفعها إلى إغراق نفسها في مشاكل وأزمات كبيرة معقدة ومتعددة وذلك عبر استخدامها المفرط والمجنون لما تملكه من قوة تضرب بها في كل مكان غير عابئة بمصالح الآخرين ولا حتى بحياتهم فتورطت في حروب وتدخلات عسكرية وسياسية في العديد من مناطق العالم وبخاصة في المنطقة المسماة بالشرق الأوسط، وفي جنوب شرق أسيا والقارة الإفريقية، حيث المصالح الاقتصادية والمالية لشركاتها الرأسمالية العابرة للقارات وتحت عنوان مكافحة الإرهاب أقدمت على شن حرب ضد أفغانستان موظفة أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 والتي أصابت مؤسسات في مدينة نيويورك الأمريكية وألحقت بها خسائر بشرية ومادية ودمرت أبراجا، وما زالت هذه الحرب على أفغانستان والتي امتدت لتطال باكستان مستمرة حتى الآن رغم مضي أكثر من عشر سنوات وقد ألحقت دمارا هائلا في هذه الدول وجوارها مثلما ألحقت خسائر باهظة بالأرواح وكانت كلفتها المادية باهظة على الولايات المتحدة نفسها مثلما هي كلفتها العسكرية والسياسية، والمعنوية والبشرية حيث فشلت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها العديد من الحلفاء في حلف الناتو في تحقيق النصر في هذه الحرب والآفاق مسدودة امام تحقيقه أن لم نقل بأنه من المستحيلات بما جعلها تبحث عن مخرج يحفظ لها ماء الوجه امام شعبها أولا والعالم ثانيا وإذا ما توقفنا عند دور الولايات المتحدة الأمريكية في منطقتنا وما قامت به في هذه المنطقة وبخاصة في فترة ولاية الرئيس جورج بوش الأب والابن والإدارة الحالية بقيادة الرئيس اوباما، نجد أن هذا الدور هو الأخطر في كل ما فعلته ومارسته الإدارات الأمريكية، حيث مارست سياسة فرض السيطرة على المنطقة باستخدام وسائل متعددة يأتي في مقدمتها القوة العسكرية والحروب التي تجسدت في اقدامها على الحرب العدوانية ضد العراق في شهر آذار من عام 2003 أسفرت هذه الحرب عن احتلال هذا القطر العربي وإسقاط نظامه وقتل مئات الآلاف من سكانه وهجرة الملايين منهم وتدميره بالكامل وخلق فتن مذهبية وطائفية وعرقية فيه ورغم هذا النجاح في الاحتلال والقتل والتدمير فقد حالفها الفشل في تحقيق أهدافها ودفعت، ثمنا باهظا بشريا وماديا وسياسيا ونفسيا ومعنويا بسبب المقاومة العراقية الباسلة المستمرة. وطبعا بررت الإدارة الأمريكية الدافع إلى هذه الحرب بمكافحة الإرهاب المزعوم وامتلاك الدولة العراقية لأسلحة دمار شامل ثبت بطلان وكذب هذا الزعم. والحقيقة أن الإدارة الأمريكية أقدمت على هذه الحرب بسبب أطماعها الاقتصادية والمالية المتمثلة في السيطرة على بلد يختزن في باطنه ثروة نفطية ضخمة من جهة ولتوفير الحماية والأمن للكيان الصهيوني الشريك الاستراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية من جهة أخرى. هذا إضافة إلى إقدام الإدارات الأمريكية على التدخل في الشؤون الداخلية للعديد من بلدان المنطقة خدمة للكيان الصهيوني أيضا وقد تمثلت هذه التدخلات بشكل أساسي في لبنان للنيل من سورية والمقاومة الوطنية اللبنانية فكانت القرارات الدولية وفي المقدمة منها القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي المسيطر عليه أمريكيا في شهر أيلول من عام 2004م وما تبع هذا القرار من سياسات واحداث تصب في خدمة نفس الهدف ولما فشلت هذه السياسات أقدمت إدارة الرئيس بوش الابن على حرب عدوانية بالاداة الصهيونية في الثاني عشر من شهر تموز عام 2006م وباءت هذه الحرب أيضا بالفشل حيث لم تحقق أهدافها وخرجت المقاومة الوطنية اللبنانية منتصرة وأضحت أقوى مما كانت عليه قبل هذه الحرب، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة بإداراتها لم تتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ولنفس السبب، امن الكيان الصهيوني ومصالحه، حيث أقدمت هذا العام وبالتحديد في الخامس عشر من آذار على التدخل السافر في الشؤون الداخلية لسورية. لمعاقبتها على سياساتها الوطنية والقومية الرافضة للاشتراطات الأمريكية التي تصب في خدمة الكيان الصهيوني مستخدمة في هذا التدخل أدوات وفئات محدودة ضالة ومأجورة ولكن هذا التدخل أيضا رغم ما يلحق من خسائر مادية وبشرية في صفوف الشعب العربي السوري سوف يفشل في تحقيق أهدافه نظرا لإدراك الشعب ووعيه لابعاد المؤامرة التي تستهدفه من خلال تمسكه بوحدته الوطنية مثلما تستهدف السياسة الوطنية والقومية للنظام مما جعله يلتف حول هذه القيادة التي عملت على إصدار قوانين وتشريعات إصلاحية ديمقراطية. مثلما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في الشؤون الداخلية لإيران وشنت عليها حربا سياسية وإعلامية واقتصادية عبر فرض حصار دولي عليها تحت ذريعة محاولات إيران لامتلاك الطاقة النووية التي تهدد ا من الكيان الصهيوني ولم تتوقف التدخلات الأمريكية عند هذه الدول في المنطقة بل امتدت لتشمل العديد من الدول حيث أقامت قواعد عسكرية برية وبحرية وجوية فيها لحماية مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني وامتدت أيضا إلى إفريقيا وبخاصة الأقطار العربية، السودان، ومحاصرته وخلق حروب داخلية فيه وتم تتويج هذا التدخل عبر العمل على انفصال جنوبه، وفي ليبيا تتدخل الإدارة الأمريكية بشكل مباشر وتتسبب في إزهاق الأرواح والعمل على ضرب وحدته أرضا وشعبا. هذا إضافة إلى تدخلات في كوريا الشمالية، وأخرى في دول أمريكا اللاتينية ولكنها تفشل هناك أيضا حيث أصبحت هذه الدول بمعظمها تعادي السياسات الأمريكية، مثلما تعاديها كل شعوب العالم التي تحمل الحقد والكراهية لهذه الدولة بسبب ما تلحقه بالبشرية من خسائر بالأرواح والمال. إشباعا لأطماعها وجشعها والتزامها الدائم بالحفاظ على امن الكيان الصهيوني الغاصب الذي يشرد شعبا ويحتل أرضه ويمارس كل أنواع القتل والدمار في فلسطين والأقطار العربية الأخرى بالأسلحة الأمريكية المتطورة استنادا إلى الحماية السياسية الأمريكية لهذا الكيان والى امداده بكل ما يمكنه من ممارسة الإرهاب ضد العرب بكل أشكاله. ونعود لنؤكد على أن الولايات المتحد ة الأمريكية وبسبب هذه السياسات العمياء لم تعد قادرة على إعادة التوازن في سياساتها الخارجية نحو العالم وبسبب أزماتها المالية والاقتصادية والانتكاسات التي أصابتها بسبب حروبها العدوانية ضد الشعوب حيث لم تعد قادرة على تحمل الكلفة المادية والبشرية وبسبب مواقع العداء للشعوب التي وضعت نفسها فيها، ولكننا في الوقت نفسه ورغم الفشل والأزمات والمستقبل الأسود الذي ينتظرها وفقا للعديد من قادة الفكر والمحللين السياسيين الأمريكان بالتحديد، ت=نعتقد بأن الولايات المتحدة، الأمريكية لن تتراجع عن مشاريعها الاستعمارية التي تستهدف الشعوب، كما انها لن تتخلى عن شراكتها الإستراتيجية مع العدو الصهيوني. وبالمقابل نؤكد أيضا على أن الوقائع الجارية على الأرض تدل بوضوح على أن المكابرة الأمريكية ليس لها ما يبررها في ظل تحرك الشعوب ضد عملائها والتابعين لها، وفي ظل صمود وصعود قوى المقاومة في العالم بعامة وفي منطقتنا بخاصة.
عمان 6/8/2011 Email:fuad@abpparty.org
|
|