القدس في يومها العالمي
تحتل مدينة القدس مكانة مركزية نظرا لموقعها المقدس
عند المسلمين والمسيحيين في هذا العالم، فهي قدس
العروبة والإسلام، وأولى القبلتين وثالث الحرمين، وهي
تاريخ وحضارة قبل الفتح الإسلامي وبعده حيث ضمت بين
جنباتها المقدسات الإسلامية والمسيحية، المسجد الأقصى
المبارك قبة الصخرة المشرفة والحرم الشريف، إلى جانب
كنيسة القيامة، وشكلت نموذجا يحتذى به للعيش المشترك
بين المسلمين والمسيحيين. ونظرا لأهميتها وحضارتها
وعراقتها كانت هدفا للغزاة الصليبيين منذ قرون والان
تتعرض هذه المدينة التي بارك الله حولها إلى هجمة
صهيونية استيطانية تهويدية، تستهدف المدينة وطمس
هويتها العربية والإسلامية باعتبارها، على حد زعم
الصهاينة واليهود، عاصمة لكيانهم الغاصب رغم ما في هذا
الادعاء من افتراء على التاريخ وتشويه للحقيقة، وقد
جاء هذا الافتراء بشكل خاص اثر احتلال الصهاينة للجزء
الشرقي من المدينة اثر عدوان الخامس من حزيران عام
1967م، حيث شكل هذا الاحتلال مرحلة انعطاف في الواقع
الجغرافي والسكاني للمدينة وأصبح بداية مرحلة جديدة من
الصراع مع المخططات الصهيونية الهادفة إلى تهويد
المدينة وإخراجها من هويتها العربية والإسلامية وقد
تجسد هذا الاستهداف لها منذ الأيام الأولى للاحتلال
عبر إصدار الكنيست الصهيوني يوم 27/6/1967 قرارا بضم
الجزء الشرقي المحتل إلى الجزء الغربي المحتل اثر
عدوان عام 1948م وبعد يوم واحد 28/6/1967م أيدت حكومة
العدو الصهيوني قرار الكنيست الصهيوني وأصدرت على
الفور يوم 29/6/1967م أمرا يقضي بحل المجلس العربي
لأمانة القدس وطرد رئيسه وإخضاع المدنية للقوانين
الصهيونية وباشرت حكومات العدو الصهيوني باتخاذ
إجراءات طالت الآثار والمقدسات الدينية الإسلامية منها
والمسيحية بالتخريب والتدمير والنهب والإحراق مثلما
أقدمت العصابات الصهيونية واليهودية وبخاصة المتطرفين
من المتدينين اليهود على مثل هذه الأعمال في محاولة
نزع الهوية العربية عن المدينة وتحويلها إلى مدينة
يهودية الطابع عبر إضفاء صفة توراتية مزيفة عليها تحت
مزاعم يهودية للكشف عن معبد يهودي قديم وعن هيكل مزعوم
تحت المسجد الأقصى ومن اجل ذلك أقدمت سلطات الاحتلال
الصهيوني ومعها اليهود على إجراء حفريات تحت المسجد
وحوله وقد أدت هذه الحفريات إلى تصدع أسوار الحرم
الشريف وإلحاق الضرر بالمسجد وتعريضه لخطر الانهيار
مثلما أدت هذه الحفريات إلى تصدع المباني المجاورة مما
جعل سلطات الاحتلال تتخذ من هذا الأمر ذريعة لإزالة
هذه المباني وتشريد سكانها العرب في إطار المخطط
الصهيوني الهادف إلى تفريغ المدينة من أهلها العرب
أصحابها الشرعيين، ولم تكتف هذه السلطات بهذا الأسلوب
للطرد والتشريد بل أقدمت على ارتكاب المجازر
والمضايقات والاعتداء على حياة العرب المسلمين الذين
طالما منعتهم من تأدية الصلاة في المسجد وكذلك
المسيحيين الذين تعرضوا أيضا إلى الطرد والمضايقة بهدف
ترحيل الجميع عن المدينة على طريق تهويدها.
ومن اجل هذا الهدف أيضا قامت سلطات الاحتلال الصهيوني
بمصادرة الأرض وأقامت عليها مساكن لليهود ومنعت أهل
القدس العرب من البناء في المدينة وطردت من طردت وعزلت
من تبقى منهم في مناطق محدودة وفرضت عليهم ضرائب باهظة
وحاصرتهم واتخذت ضدهم إجراءات صعبة في إطار المخطط
الهادف إلى إخراجهم من المدينة كما صادرت مساحات واسعة
من الأرض حول المدينة لإقامة المستعمرات الاستيطانية
اليهودية لتطويق المدينة وعزلها عن محيطها العربي في
فلسطين المحتلة متجاهلة في هذه الإجراءات ملكية
المدينة لشعب فلسطين والأمة العربية وأكثر من مليار
ونصف المليار مسلم في شتى أنحاء العالم.
مثلما تجاهلت حكومات العدو الصهيوني كل القرارات التي
صدرت عن هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن الدولي التي
تستنكر أعمال الصهاينة وممارساتهم والتي تؤكد على عدم
شرعية الاستيلاء على ارض الغير بالقوة مثلما تؤكد على
عدم شرعية إجراء أي تغييرات في الوضع القائم تحت
الاحتلال مثلما أكدت على بطلان هذه الإجراءات وبخاصة
المتعلقة بمدينة القدس.
ومن ابرز هذه القرارات، القرار رقم 2253 الصادر في 4
تموز عام 1967م وكذلك القرار 2254 الصادر في 14 تموز
1967م أي بعد شهر من احتلال الصهاينة للجزء الشرقي من
المدينة ، ثم توالت القرارات ، القرار 2546 لسنة 1969،
القرار 2726 لسنة 1970، القرار 2446 تاريخ 22/3/1979
وقرارات متعددة أخرى اعتبرت جميعها إجراءات الصهاينة
غير شرعية وطالبت سلطات الاحتلال وقفها والتراجع عنها
لكن هذه السلطات المدعومة والمغطاة بمواقف الولايات
المتحدة الأمريكية لا تستجيب وتتمرد على المنظمات
والهيئات الدولية نظرا لهذا الدعم الذي توفره لها
الإدارات الأمريكية المتعاقبة.
لقد مثلت هذه الإجراءات الصهيونية التي تستهدف القدس
والأرض الفلسطينية المحتلة من الناحية الجغرافية
والسكانية وبخاصة إقامة المستعمرات الاستيطانية
المنتشرة حول مدينة القدس وفي أنحاء الضفة الغربية
وإقامة جدار العزل العنصري في ارض الضفة الغربية وحول
مدينة القدس انعكاسا حقيقيا للصراع مع العدو الصهيوني
مثلما مثلت إقامة مستعمرات استيطانية في الجولان
العربي السوري المحتل وتمسك العدو الصهيوني باحتلال
أراض في لبنان انعكاسا لهذا الصراع مع العدو الصهيوني
أيضا.
اما فيما يتعلق بالصراع حول مدينة القدس فهو يمتد إلى
ابعد من فلسطين ذلك لان هذه القضية هي قضية عربية
وإسلامية ومسيحية وهي من حيث جوهرها تكشف مصادر الصراع
الرئيسية على المستويات عامة الثقافية والحضارية
والدينية والاجتماعية والجغرافية والاقتصادية وتحمل في
طياتها ابعادا تاريخية وسياسية وأمنية ذلك لان مدينة
القدس وان كانت عربية المنشأ والهوية والطابع فهي رمز
للحضارة كما انها محج لكل مسلم ومسيحي في العالم، وهذه
حقائق لا يمكن أن تلغيها أو تنال منها إجراءات
الصهاينة وأكاذيبهم الملفقة المستندة إلى أباطيل
ومقولات توراتية مزيفة.
ومثلما هي القدس مسؤولية العرب والمسلمين في التحرير
فإن تحرير عموم فلسطين وكامل أرضها مسؤولية عربية أيضا
كونها تشكل جوهر الصراع مع العدو الصهيوني والشركاء
الداعمين له بكل أشكال الدعم العسكري والاقتصادي
والمالي والبشري من الغرب الاستعماري بعامة
والامبريالية الأمريكية بخاصة، وان أبناء الأمة
العربية ملزمون بالنضال من اجل التحرير وتقديم كل
التضحيات في سبيل ذلك. وان ما يجري هذه الأيام في
أقطار عربية وبخاصة في سورية ما هو إلا انعكاس حقيقي
للصراع مع العدو الصهيوني والشركاء الاستراتيجيين لهذا
العدو في الصراع مع الأمة العربية. ونؤكد أن لا تحرير
للقدس وفلسطين إلا بوحدة الصف الفلسطيني والعربي
وبالمقاومة التي هي طريق التحرير والنصر.
عمان 28/8/2011
Email:fuad@abpparty.org
|