جامعة الدول العربية

الوظيفة والدور

 

حددت ديباجة ميثاق جامعة الدول العربية، التي أنشئت في الثاني والعشرين من شهر آذار عام 1945م، الأهداف التي أقيمت من اجلها والدور المناط بها تأديته تجاه الأمة العربية، والمتمثل بشكل أساسي تثبيت العلاقات الوثيقة بين الدول العربية وتقوية الروابط التي تربط بينها ودعمها وتوطيدها على أساس الاحترام المتبادل وكذلك احترام استقلال تلك الدول وسيادتها، وتوجيه جهودها إلى ما فيه خير هذه الدول وصلاح أحوالها وتأمين مستقبلها وتحقيق أمانيها وأمالها، مثلما حددت المادة الثامنة من الميثاق الغرض والهدف من جامعة الدول العربية هو توثيق الصلات أيضا بين دولها وتنسيق خططها السياسية تحقيقا للتعاون بينها وصيانة استقلالها وسيادتها والنظر بصفة عامة في شؤونها ومصالحها وكذلك تعاون هذه الدول تعاونا وثيقا بحسب نظم كل دولة وأحوالها في الشؤون الاقتصادية والثقافية والاجتماعية والسياسية.

نستطيع القول رغم أهمية هذه المنظمة الإقليمية العربية ودورها بأن الجامعة ومنذ نشأتها قد خلت من أي محتوى قومي نضالي وحدودي ونستطيع الدلالة على ذلك من اسمها الذي حملته، جامعة الدول العربية وليس الجامعة العربية من جهة وفي نصوص ميثاقها وديباجته حيث التأكيد على التعاطي معها كدول قائمة بذاتها، هذا إضافة إلى الاتجاه القطري الانعزالي الذي انتصر في أروقة الجامعة وكواليسها وقرارات الجامعة البعيدة كل البعد عن العمل باتجاه التكامل العربي والدفاع المشترك، حيث أن اتفاقية الدفاع العربي المشترك التي تم التوقيع عليها من دول الجامعة عام 1950 بقيت حبرا على ورق محشور في ادراج الجامعة، كما بقيت الاتفاقيات الأخرى وبالأخص الاتفاقية الاقتصادية التي تم التوقيع عليها عام 1957م نائمة أيضا في الأدراج إضافة إلى العديد من الاتفاقيات الأخرى.

تعرضت جامعة الدول العربية وعبر تاريخها لحركة التفافية من الدول الاستعمارية التي عملت على القاء الجامعة بعيدة عن النضال القومي الوحدوي وسعت من اجل إيجاد أدوات وصيغ عربية رسمية تكون قادرة على العبث بها وحرفها عن دورها لاستخدامها لصالح مخططاتها المعادية للأمة ومن المؤلم أن نقول بأنها نجحت في ذلك سواء ما تعلق الأمر بالتراجع عن مقاطعة العدو الصهيوني والتطبيع معه أم بشل حركة الجامعة عندما يتعلق الأمر بالصراع العربي – الصهيوني أم بالعدوان الأمريكي على دول عربية كالعراق على سبيل المثال والتدخل في الشؤون الداخلية للعديد من الأقطار العربية الأخرى بما يخدم مشاريع ومخططات الدول المعادية التي تقف على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية والشريك الاستراتيجي الكيان الصهيوني ومن ابرز تحييد الجامعة عن الأحداث العربية، العدوان على لبنان عام 2006م وما سببته من اعتداءات، وكذلك العدوان على الشعب العربي الفلسطيني بشكل عام والعدوان الدموي على قطاع غزة أواخر عام 2008م مثلما نجحت هذه الجهات المعادية في جعل جامعة الدول العربية أداة بيدها تنفذ من خلالها أهدافها ومشاريعها التي تستهدف المنطقة ودليلنا على ذلك قرار الجامعة العربية الذي شكل جسر العبور لاتخاذ قرار أمريكي – أوروبي استعماري تحت رقم 1973 لضرب بلد عربي وقتل عشرات الآلاف من شعبه وإلحاق الدمار بالعديد من مدنه وقراه ونهب ثرواته النفطية والإطاحة بنظامه، والمقصود هنا طبعا ليبيا. مثلما نجحت هذه الدول أيضا وبعد فشلها في استصدار قرار للتدخل العسكري في سورية بسبب استخدام الصين وروسيا لحق الاعتراض (الفيتو) بتوظيف جامعة الدول العربية للقيام نيابة عنها في الضغط على سورية ومحاصرتها ومعاقبتها سياسيا واقتصاديا لإضعافها وتهيئة الأجواء لإمكانية التدخل العسكري في هذا القطر لمعاقبته على مواقفه الوطنية والقومية وتقديمه الدعم والعون والإسناد للمقاومة التي تواجه العدوان الصهيوني – الأمريكي وإفشاله مخططات ومشاريع أعداء الأمة في تمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يستهدف أقطار الوطن العربي في وحدة أراضيها وتقسيم الشعب في كل قطر مذهبيا وعرقيا وطائفيا. بمعنى أن الدول الامبريالية والاستعمارية والحركة الصهيونية قد نجحت في تحويل جامعة الدول العربية من خدمة للقضايا العربية إلى مجرد جامعة وظيفتها إلحاق اكبر الأضرار وأفدح الخسائر بالأقطار التي تستهدفها هذه الدول من فلسطين إلى العراق إلى لبنان إلى سورية.

وبصراحة أكثر وبعد ما أصاب الجامعة من عطب عبر تحويل الدور القومي العربي إلى وظيفة لخدمة أعداء الأمة يحق لنا أن نسأل هل تكون الجامعة أم لا تكون؟ هذا السؤال مطروح على الشعب العربي في أقطار الوطن كافة من المحيط إلى الخليج ولم تعد الانتقادات اللاذعة التي طالما وجهتها الجماهير العربية إلى الجامعة العربية نظرا لسلبياتها وقصورها في أداء الدور المطلوب منها في خدمة المصالح العربية كافيا خاصة وان الجامعة العربية قد سلكت طريقا اقل ما يقال عنه أن هذا الطريق إنما يدخل الوطن العربي تحت مظلة الامبريالية الأمريكية والدول الأوروبية الاستعمارية مثلما يوصل أيضا إلى تحقيق المشاريع الصهيونية والأمريكية التي تهدف إلى وضع المنطقة العربية وثرواتها تحت سيطرتهم.

لكن، وإذا كان لا بد من الحفاظ على هذه المنظمة العربية فإن هذا يتطلب قبل كل شيء إعادة النظر في سلوكها وسياساتها وإخراجها من دائرة التبعية لتصبح جامعة عربية بالفعل والعمل عبر الوصول بأدائها إلى المستوى الذي يؤهلها لتكون حاضنة قومية وقلعة عربية حصينة وقاطرة تسير باتجاه تحقيق آمال الجماهير العربية في المنعة والوحدة. بمعنى أن الحرص على الجامعة يكون عبر تراجعها عن نهجها الذي يستهدف أقطار عربية تواجه المؤامرات والمشاريع الاستعمارية والأمريكية والصهيونية، كما يتطلب الحرص على الجامعة أيضا أن تقوم بدفع العمل العربي المشترك وتطويره والارتقاء به وابتعادها أو ابعاد الجهات العربية التي تحاول حرفها عن دورها الذي أقيمت من اجله وتحويلها إلى مجرد منظمة تقوم بوظيفة محددة تخدم أعداء الأمة. كما يترافق مع الحرص عليها أن يكون لها أمانة عامة تقودها إلى ما فيه خير العرب وعزتهم ومنعتهم ودرء الأخطار عنهم، لا أمانة تشكل من موظفين يتلقون التوجيهات والرغبات لتنفيذ أوامر  لا تخدم المصالح العربية، نريدها جامعة لا تتخذ القرارات ضد إحدى الدول السبع المؤسسة لها وفرض العقوبات وتوجيه الدعوات للأمم المتحدة للتدخل في الشؤون الداخلية للعرب وهذا ما شاهدناه من خلال قرارها الأخير يوم الخميس 24/11/2011 الخاص بمحاصرة سورية وفرض العقوبات عليها هل هذا هو دور الجامعة العربية؟؟ وهل من اجل هذا تم إنشاء هذه المنظمة العربية؟؟

 

عمان 27/11/2011

Email:fuad@abpparty.org