تحديات وأخطار تواجه أقطار الأمة

 

يواجه وطننا العربي تحديات كبيرة متعددة على مختلف المستويات السياسية والاقتصادية والثقافية جعلته بعامته في حالة من عدم الاستقرار والأمن وجعلت العديد من أقطاره التي تشهد حركات غير مسبوقة تعاني من هذه الحالة بشكل خاص، وقد جاءت هذه التحديات الخطيرة بسبب السياسة الأمريكية المعادية للأمة العربية حيث رفعت لواء قيادة العالم عبر إقامة نظام عالمي جديد مما يتطلب إمساكها بعناصر قوة اقتصادية ومالية وعسكرية والتحكم بالثروة الإستراتيجية الممثلة بالنفط الذي توجد نسبة عالية منه في منطقتنا العربية والتحكم بهذه الثروة يعطي عوامل القوة والقدرة على التحكم بالقرار السياسي والاقتصادي المطلوب لتحقيق هدف قيادة العالم مثلما يشكل وطننا العربي والمنطقة المسماة "الشرق الأوسط" عقدة مواصلات بحرية وجوية وبرية إستراتيجية هامة. وقد ادعت الولايات المتحدة الأمريكية انها سوف تنقل العالم من حالة الحرب الساخنة والباردة التي كانت قائمة قبل انهيار الاتحاد السوفياتي إلى حالة من السلم والعلاقات الديمقراطية بين الدول، ولكن ما حصل من تطورات ومشاهد وأزمات وحروب خاصة في وطننا العربي تسببت بها السياسة الأمريكية تؤكد زيف هذا الادعاء وعدم صدقية الإدارات الأمريكية سيما وانها أدخلت وطننا العربي في حروب، كالحرب على العراق التي ألحقت بهذا القطر العربي خسائر باهظة مادية وبشرية مثلما ألحقت به دمارا وخرابا وخلقت فتنا عرقية وطائفية ومذهبية بين أبناء الشعب الواحد وحرب أخرى على لبنان في تموز عام 2006 باستخدام أداتها الصهيونية ألحقت بهذا القطر أيضا خسائر مادية وبشرية وخرابا وارتكبت أداتها الصهيونية مجازر بشعة بحق أبناء هذا الشعب مثلما أوقعت الصراعات والنزاعات بين أبناء هذا الشعب، كما عملت على خلق صراعات في السودان وأدت إلى تقسيمه بين شمال وجنوب وما زالت تعمل من اجل إنزال المزيد من التقسيم في هذا القطر العربي، وجاء دور ليبيا القطر العربي الذي تم تدميره أيضا باستخدام قوات حلف الأطلسي التي تقودها أيضا الولايات المتحدة الأمريكية.

وها هي تقوم حاليا بشن حرب شرسة ضد سورية بدأتها منذ الخامس عشر من شهر آذار عام 2011م والتي ما زالت مستمرة حيث قامت الإدارة الأمريكية بقيادة الرئيس اوباما بالتخطيط لهذه الحرب وبتحريض دول أوروبية وأخرى إقليمية (تركيا). وعربية تدور في فلكها وذلك لان سورية تتمسك بقرارها الوطني والقومي المستقل وتدافع عن حقوق شعبها وأمتها وتتصدى للمشاريع والمخططات الأمريكية الصهيونية المعادية للأمة العربية. كما قامت سورية ولا زالت بدعم المقاومة التي واجهت الاحتلال الأمريكي للعراق مثلما تدعم المقاومة التي تواجه العدوان الصهيوني في لبنان وفلسطين وتقيم علاقات وثيقة مع جمهورية إيران الإسلامية على قاعدة التصدي للعدوان الصهيوني ومشاريع الهيمنة الأمريكية على المنطقة مما جعلها تتعرض إلى حرب عصابات وقتل وخراب لمؤسسات تخدم الشعب ممثلة بأنابيب النفط والغاز والجسور وطرق المواصلات.

كما تشن عليها حربا إعلامية تقوم على تشويه الحقائق وتزوير الوقائع وعبر قنوات إعلامية بعضها ناطقة باللغة العربية وتدعي زورا وبهتانا بأنها عربية وقد وظفت الإدارة الأمريكية التابعين لها من الأنظمة العربية لاستخدام جامعة الدول العربية في المعركة ضد سورية وقد رأينا هذه الجامعة تستفيق بسرعة من سباتها العميق وتتحرك بشكل غير مسبوق لتلحق الأذى والضرر بسورية تنفيذا للأوامر الصادرة إليها وإلا كيف نفهم قرار تعليق عضوية سورية الدولة المؤسس في جامعة الدول العربية؟ وكيف نفهم قرارات الحصار الاقتصادي بكل أشكاله ضد هذا القطر العربي الذي يدفع ثمن دفاعه عن الأمة ومصيرها؟

طبعا لا يمكن أن نتجاوز التحدي الأخطر للأمة العربية المتمثل بالكيان الصهيوني الذي يقوم فوق جزء من الأرض العربية وعلى حساب شعب عربي ويهدد هذا الكيان كل الأمة ويشكل مصدرا أساسيا لكل ما تواجهه أقطار الأمة العربية من المحيط إلى الخليج، هذا الكيان العدو الذي مارس، ويمارس، الحروب العدوانية الإجرامية ضد أقطار الأمة العربية وليس ضد فلسطين العربية وشعبها ومقدساتها فحسب. هذا الكيان الذي هو شريك استراتيجي للولايات المتحدة الأمريكية في العداء للأمة ويعمل على تحقيق مصالحها على حساب المصالح العربية، كيان يرفع وتيرة الأخطار في المنطقة العربية، اخطار لا تقف عند الحدود الجغرافية للوطن العربي بل تمتد لتشمل مناطق أخرى في العالم، ومن التحديات التي تواجه الأمة العربية المتغيرات التي أصابت بعض أقطارها مؤخرا تحت عنوان ما يسمى "الربيع العربي" حيث يعتقد البعض بأن ما جرى في هذه الأقطار يمكن أن يخدم الأمة حتى وان أطاحت بالظلم الذي مثلته الأنظمة فيها وها هي نتائجها الأولية توضح دون أدنى شك بأنها ستكون أكثر إيلاما على الشعب العربي في هذه الأقطار وبالتأكيد لا يمكن أن تستبعد الدور الأمريكي في هذه الأقطار وتحالفاته مع الأنظمة الجديدة والتي لا يمكن أن تكون لصالح الأمة العربية ذلك لان مسار سياساتها حافل العداء للأمة ولن يتوقف هذا العداء ولن تتوقف السياسة الأمريكية التي عملت وما تزال، على تجزئة أقطار الوطن العربي لإضعافها وجعلها غير قادرة على حماية ثرواتها والحيلولة دون وصولها إلى القوة والقدرة على مواجهة العدو الصهيوني وتحرير أرضها التي يغتصبها هذا العدو في فلسطين وسورية ولبنان.

ونقول، إذا ما استمرت هذه الحال العربية المخطط لها أمريكيا وصهيونيا والجاري تنفيذها بأدوات عربية مع كل الألم والأسف فإن مستقبلا مظلما ينتظر الأمة وان ما يخرجها من الظلمات إلى النور ليس سوى العودة إلى التضامن العربي الجاد والفعال والعمل على اعتماد صيغ لحماية الوجود والأمن القومي العربي بدءا من تصويب سياسات وتوجهات مؤسسات العمل العربي المشترك وتطويرها باتجاه خدمة المصالح القومية العربية ويتم ذلك عبر الخروج من التبعية للأجنبي عدو الأمة والإمساك بالقرار القومي المستقل، وتجاوز المصالح القطرية الضيقة وإعلاء المصالح القومية العربية وامتنا العربية قادرة وتمتلك كل أسباب وعناصر القوة والنهوض الذي يتحقق فقط إذا توفرت إرادة النهوض عند القوى العربية المخلصة لامتها والفاعلة والعاملة من اجل هذه الأمة ممثلة بالأحزاب ومنظمات المجتمع المدني والتي يجب ان تعمل على خلق حالة شعبية ناهضة استنادا إلى قاعدة أساسية ممثلة بالقومية العربية الجامعة للأمة، وهذا يتطلب بالتأكيد تعزيز دور هذه التنظيمات لتصبح قادرة على مواجهة التحديات والأزمات التي تواجه الأمة.

كما نؤكد على أهمية بناء الموقف العربي الواحد الذي هو الضرورة الملحة في الظروف الصعبة الراهنة وذلك من اجل تجاوزها والخروج منها لأنها التحدي الرئيس الذي يواجه الأمة والذي يهددها وجودا وهوية وحضارة وثروات مع الحاضر والمستقبل. مثلما نؤكد على نبذ سياسة التفرقة والعزلة والتناحر والتآمر التي إنما تدمر الأمة وتخدم مصالح أعداء الأمة الصهاينة والأمريكان ودول غربية استعمارية أخرى.

 

عمان 22/1/2012

Email:fuad@abpparty.org