يعتبر عام 1943 نقطة تحول حاسمة في تاريخ القطر العربي
السوري والمنطقة العربية حيث ظهرت حركة ((البعث
العربي)) لأول مرة كحركة فكرية سياسية اجتماعية قومية،
طرحت شعارها الأساسي ((أمة عربية واحدة – ذات رسالة
خالدة)) وتبنت أهداف الجماهير العربية الكادحة في
الوحدة والحرية والاشتراكية، جاءت الحركة في ظل ظروف
تاريخية عربية ودولية سياسية واقتصادية واجتماعية حللت
تلك الظروف تحليلا علميا موضوعيا دقيقا، واستلهمت منها
الحلول الجذرية التي تخرج الأمة والجماهير من الحالة
المتردية التي تعيشها إلى حالة التحرر والتقدم، استمدت
الحركة تجربة الاستقلال العربي والوحدة العربية
منطلقها الكفاحي القومي، مارست النضال ضد جميع القوى
المعادية لأماني الأمة ولتحررها وتقدمها ووحدتها،
كافحت الاستعمار، وتصدت للأنظمة البرجوازية الحاكمة
التي سلبت الجماهير حريتها وصادرت حقها في التعبير عن
مصالحها الحقيقية بالتحرر والعيش الكريم، طرحت حركة
((البعث العربي)) القضايا الأساسية للثورة العربية وما
تزال حتى يومنا هذا تشكل المطلب والهدف لجماهيرنا
العربية في كل مكان لمواجهة التحديات المصيرية
المفروضة على الأمة جاءت حركة (البعث العربي) لتعيد
تحليل حركة المجتمع العربي وتضعها في سياق تطورها
التاريخي، بالرغم من محدودية القاعدة الجماهيرية، فإن
حركة ((البعث العربي)) وضعت سنة 1945 الأفكار التالية:
1.
الانطلاق من ان للشعب العربي كله في جميع أقطاره مصلحة
عربية عليا واحدة وان على سياسة كل قطر أن تنسجم مع
هذه المصلحة العربية العليا فلا تدخل معها في أي تناقض
او عداء.
2.
الدعوة الى وحد نضال الشعب العربي في جميع أقطاره
واعتبارها الصيغة المعبرة عن وحدة مصالح الشعب العربي
وأهدافه .
3.
اتخاذ موقف عربي موحد ضد الاستعمار في جميع المعارك
التي تخوضها الأقطار العربية ضده من أجل الاستقلال
الوطني والسيادة.
وعلى هذه الأسس خاضت حركة ((البعث العربي)) نضالا صعبا
وشاقاً في القطر العربي السوري والأقطار العربية
الأخرى. وساندت كل حركة عربية من أجل التحرر ونيل
الاستقلال وساهمت في تعرية الأنظمة الموالية للاستعمار
وكشفت مواقفها المتخاذلة ودانت مواقفها المعادية لحرية
الجماهير وقمعها للمناضلين في سبيل الحرية والتحرر،
واعتبرت حركة ((البعث العربي)) قضية فلسطين والصراع مع
الصهيونية القضية الأساسية، ودانت وعد بلفور، وشاركت
في الحرب ضد العصابات الصهيونية وقدمت الشهداء ورفضت
الهجرة اليهودية إلى فلسطين وحذرت من مخاطرها على
الوطن العربي.
كانت حركة ((البعث العربي)) محدودة العدد ومحصورة
التنظيم في عدد من المدن السورية ((دمشق، حمص ، حلب،
اللاذقية)) وكانت تفتقر الى النظام الذي لا بد منه
لأية حركة شعبية نضالية تطرح نفسها كحركة تاريخية تهدف
إلى التغيير الشامل، واعتمدت في إيصال فكرها وأفكارها
إلى قواعدها على النشرات الحزبية، حيث أنها أصدرت
جريدة (البعث) لأول مرة، سنة 1946 ولكن السلطة الحاكمة
لم تلبث ان أغلقتها لأنها كانت تكشف للجماهير خطايا
هذه السلطة. ولم يكن للحركة بعدها التنظيمي القومي
اللهم الا بعض من الطلاب الجامعيين من الأردن ولبنان
وأمام الحاجة الملحة للنظام والتنظيم والقيادة التي
تقود العمل فقد تقرر عقد المؤتمر التأسيسي الأول من
يوم 4-6 نيسان 1947 وقد حضره حوالي (200) عضو غالبيتهم
العظمى من الرفاق السوريين وعدد قليل من الأردن ولبنان
وأصدرت الحركة بيانها الأول يوم السابع من نيسان سنة
1947 وأصبحت حزبا سياسيا له نظامه الداخلي وبرنامجه
السياسي والعقائدي وانتخب المؤتمر هيئة تنفيذية مكونة
من عميد وثلاثة اعضاء وتم إقرار دستور للحزب قائم على
مبادئ أساسية أهمها:
1.
وحدة الأمة العربية.
2.
شخصية الأمة العربية.
3.
رسالة الأمة العربية.
وتناولت كلها تحديد الفكرة القومية، كما تضمن الدستور
مبادئ عامة، أظهرت السمات العامة للحزب. تابع الحزب
مسيرته النضالية خاصة في القطر العربي السوري، ناضل ضد
طغيان وظلم الحكام حاول النهوض بالجماهير لتأخذ دورها
في تحقيق مصالحها الحقيقية وكي تتخلص من الاستغلال
وتتحرر عن القيود المفروضة عليها من الطبقة الحاكمة
ودعم نضالات الجماهير لتصل إلى حقوقها الاقتصادية
والاجتماعية والسياسية وتزيل عن كاهلها هيمنة رأس
المال والإقطاع، وفي أواخر سنة 1952 انضم الحزب العربي
الاشتراكي الذي كان يقوده أكرم الحوراني وكانت قاعدته
تتركز في بنيتها على جماهير الفلاحين إلى حزب (البعث
العربي) ليصبح اسم الحزب منذ ذلك التاريخ حزب البعث
العربي الاشتراكي، وبعد هذا الاندماج أصبحت الحالة
ملحة الى ظهور التنظيم القومي الفاعل للحزب على
الساحات العربية وكانت القاعدة التنظيمية العربية
تتوسع وخاصة في صفوف طلاب الجامعات في القطر العربي
السوري، وعقد الحزب مؤتمره القومي الأول سنة 1954
واعتبر المؤتمر الثاني بعد المؤتمر التأسيسي في نيسان
سنة 1947. وحضر المؤتمر ممثلون عن الحزب من الأقطار
العربية (سورية، الأردن، لبنان ، العراق) وانتخب
المؤتمر القيادة القومية الأولى وكانت مؤلفة من سبعة
أعضاء 3 من سورية وعضوين من الأردن وعضو واحد لكل من
العراق ولبنان، وأقر المؤتمر نظاما داخليا جديدا،
وانتهى منصب عميد الحزب واستبدل بالأمين العام للقيادة
القومية للحزب وكان أول أمين عام هو ميشيل عفلق.
وأصبح الحزب فصيلا قوميا رئيسيا من فصائل الثورة
العربية، لعب دورا نضاليا وسياسيا في الساحات العربية،
وكان لنضاله اثر هام في تاريخ الأمة العربية المعاصر،
وكان للنظرية العربية الثورية التي وضعت الأساس لبناء
الحركة النضالية للجماهير العربية للوصول نحو أهدافها
الأثر الهام في ترسيخ قاعدة النضال العربي، وكان من
أول الامتدادات القومية المؤثرة في الحياة السياسية
للأقطار العربية امتداد الحزب إلى الساحة الأردنية في
الضفتين الشرقية والغربية، وقد استطاع الحزب بناء
قاعدة جماهيرية صلبة في هذه الساحة، أثرت بنضالها
ومواقفها الصلبة وما قدمته من تضحيات في مسار الحياة
السياسية والاجتماعية بالأردن، فقد كان لحزب البعث
العربي الاشتراكي في الأردن دور هام في إجهاض حلف
بغداد ، وفي التصدي لمشروع ايزئهاور وكان لرفاقنا
الضباط في مجموعة (الضباط الأحرار) دور طليعي في تعريب
الجيش العربي الأردني من القيادة الانجليزية، كما وصل
بعض رفاقنا إلى مجلس النواب الأردني عبر الانتخابات،
وبني حزبنا بالأردن قاعدة جماهيرية واسعة من العمال
والفلاحين والطلاب في الخمسينيات وتعرض الحزب لهجمة
شرسة، وطرد الرفاق، واضطهدوا، ودخلوا السجون.
هذا عرض موجز جدا لحقبة من تاريخ حزبنا امتدت من سنة
1943 – سنة 1957.
|