الحرب الدولية
الإرهابية على سورية
أن الجواب على السؤال عن أسباب شن حرب عدوانية إرهابية
على سورية أخذت طابع الحرب الدولية ضدها لا تحتاج إلى
أعمال عقل كبير، وفيها يختلط الذاتي بالموضوعي. فمن
المعروف أن سورية هي من الدول القليلة في العالم التي
تتمسك بسيادة قرارها السياسي ولا تنزاح عنه مهما بلغ
حجم الضغوطات عليها، فسورية تلتزم في سياستها بثوابت
وطنية وقومية مبدئية لا تتنازل عنها، وقد فشلت كل
المحاولات لدفعها لإبداء أي تنازل مهما كان محدودا.
ومن اجل التدليل على هذه الثوابت المبدئية نورد ما
يلي:
1-
الرفض المطلق للتساوق مع مشاريع الحل السياسي الذي
تبنته الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة
الأمريكية وهي مشاريع بطبيعة الحال
للقضية السياسية تصب في خدمة الحليف الصهيوني الذي كان
سبب إنشاء كيانه بالأساس هو أن يكون مخفرا اماميا
مسلحا خط الدفاع الأول عن مصالح الدول الغربية، وقد
تمسكت سورية بهذا الرفض الذي رغم كل أشكال الترهيب
الغربي الذي مورس ضدها وكذلك رغم كل الإغراءات التي
قدمها الغرب لها وأخر هذه الإغراءات هو إعلان الرئيس
الأمريكي كلينتون لدى لقائه المرحوم الرئيس حافظ الأسد
في جنيف عام 2000 أن كيان العدو مستعد لإعادة 99% من
الأراضي السورية المحتلة باستثناء ارض بعرض بضعة أمتار
محاذية لبحيرة طبريا، وحينها رفض الرئيس حافظ الأسد
ذلك وأصر على أن تكون لسورية شواطئها على البحيرة
(خطوط حزيران 1967) وكأنه أراد أن يقول "ارض بلا ماء
جسم بلا دم".
2-
إفشالها المخططات والمشاريع الأمريكية – الصهيونية
وبخاصة مشروع الشرق الأوسط الجديد مثلما أفشلت
المخططات الهادفة إلى تصفية القضية الفلسطينية لصالح
العدو الصهيوني.
3-
رفض سورية لما حمله مبعوثون أمريكان من طلب مساعدة
سورية لحماية قوات الاحتلال الأمريكي في العراق من
هجمات قيل انه يتم شنها من مقاتلين يعبرون حدود العراق
قادمين من الأراضي السورية. والانتقام منها بسبب
إسهامها في طرد المحتل الأمريكي من العراق عبر دعمها
لمقاومته.
4-
رفض الرئيس الدكتور بشار الأسد لما حمله وزير خارجية
أمريكا الأسبق كولن باول من مطالب (التي اعتادت أمريكا
أن توجهها لدول أخرى كأوامر) طالبا من سورية تنفيذها
وذلك بعد الحرب العدوانية الكولونيالية على العراق
واحتلاله وهي:
-
فك الارتباط بين سورية والجمهورية الإسلامية
الإيرانية.
-
وقف تزويد المقاومة في لبنان والتي يمثلها حزب الله
بالأسلحة أو تمرير هذه الأسلحة إليه وهي (الأسلحة)
التي ساهمت بشكل فعال في انتصار المقاومة عام 2006
والمقاومة الفلسطينية أثناء عدوان 2008 على قطاع غزة.
-
وقف استضافة فصائل المقاومة الفلسطينية وقياداتها التي
تتخذ من دمشق مقرات لها وكان في مقدمتها وقتها حركة
حماس.
-
وقف قيام الدولة السورية بتقديم ونقل كل أشكال الدعم
للمقاومة اللبنانية مما مكن لبنان من استرداد أرضه
المحتلة في الجنوب الذي فر منها الجيش الصهيوني في شهر
أيار عام 2000 ومن الصمود البطولي في وجه العدوان
الوحشي الذي شنه الجيش الصهيوني على لبنان عام 2006.
5-
التخلص من القاعدة البحرية الروسية في ميناء طرطوس مما
يخرج روسيا من البحر الأبيض المتوسط.
لكل ما ذكر فقد توصل الغرب المعادي لامتنا واستقلالها
وكرامتها أن أفضل طريق لمعاقبة سورية الشعب والجيش
والقيادة هو العمل على شن مثل هذه الحرب العدوانية
الجارية الآن أملا في إثارة فتن عرقية وطائفية ومذهبية
من شأنها أن تعمل على تفتيت الدولة السورية إلى
دويلات. وقام بدفع المقاولين العرب وغيرهم في الإقليم
للقيام بهذه المهمة نيابة عنه وبتوجيه منه هؤلاء لم
يخيبوا ظنه حيث قاموا بتمويل وتسليح وتدريب المرتزقة
من ثلاثين دولة في العالم بمن فيهم مرتزقة من دول
أوروبية وكل ذلك قد تم بإشراف استخبارات غربية
وصهيونية وهم (المرتزقة) قد قاموا ويقومون بالمهمة
التي يعتبر العدو الصهيوني وحلفاؤه اكبر المستفيدين
من تنفيذها لان من شأن ذلك أن يشغل القوات المسلحة
السورية التي مهمتها الأساسية حماية الوطن والمواطن
بالوضع الداخلي والانشغال بمجابهة هؤلاء الإرهابيين
بما يريح العدو الصهيوني الذي تم دفع صراع الوجود معه
إلى مراتب خلفية ولم يعد لهذا الصراع شأن يذكر ميدانيا
وغلب عليه القتال ضد الدولة السورية والجهاد فوق أرضها
كما أفتى مشايخ الفتنة الذين وضعوا أنفسهم في خدمة
مستأجريهم من مشيخات الخليج ومصر مرسي وتركيا اردوغان.
وحين نتحدث عن الدول والقوى التي تقدم كل الدعم
للإرهابيين فوق ارض سورية فإننا نلاحظ أن في مقدمة
الدول الأوروبية التي تفعل ذلك تحت ادعاء الدفاع عن
شعب سورية – طبعا- بعد أمريكا والصهاينة- يبرز دور
الدولتين الاستعماريتين القديمتين بريطانيا وفرنسا
التي قامت الأولى بعقد مؤتمر كامبل باثرمان
(1905-1907) الذي اتخذ من قرار إقامة حاجز بشري يحول
دون وحدة العرب بعد تحررهم من السيطرة العثمانية وكان
وعد بلفور تجسيدا لهذا القرار وبريطانيا هي التي مكنت
الصهاينة من السيطرة على جزء من الأرض الفلسطينية
أثناء انتدابها على فلسطين وتركت لهم سلاح جيشها
المنتدب لاستعماله من قبل الصهاينة عام 48. اما فرنسا
فهي وبالاشتراك مع بريطانيا صانعتا معاهدة سايكس بيكو
التي من خلالها تم خيانة وعدها بإقامة مملكة عربية بعد
نهاية الحرب العالمية الأولى وفرنسا هذه هي التي قسمت
سورية إلى (سورية ولبنان) وأهدت تركيا عام 1939 لواء
الاسكندرون وكليكيا. اما التمويل فمن المؤسف انه يأتي
من دول عربية على رأسها مشيخة قطر ثم السعودية وبشأن
التدريب للإرهابيين فهو فوق الأرض العربية السورية
التي تم تسليحها وتقديمها هدية لتركيا كما أسلفنا علما
أن تركيا ومنذ تسلم حزب العدالة والتنمية مقاليد
السلطة عام 2003 وهي تعمل جاهزة على إحياء عثمانية
جديدة لا يمكن لعربي أن ينسى معاناة أبائه وأجداده من
الممارسات العثمانية الطورانية القديمة .
لقد قامت المجموعات المسلحة العاملة فوق الأرض السورية
بالكثير من العمليات الإرهابية لهدم بنى الدولة في
سورية نذكر منها ما يلي:
1-
القيام بعمليات قتل العسكريين من أفراد الجيش وقوى
الأمن ومنذ شهر آذار 2011 بالرغم من إعلان القيادة
السورية تشكيل لجان للنظر في كافة القوانين السائدة
على طريق أحداث إصلاحات جوهرية ولكن الإرهابيين لم يكن
هدفهم هو الإصلاح وإنما هدم دعائم الدولة السورية
المعروفة بأنها دولة الممانعة والمقاومة.
2-
القيام بأعمال الهدم والتخريب للأملاك العامة والخاصة
للدولة والمواطنين.
3-
ممارسة أعمال الهدم للبنى التحتية في سورية مثل تخريب
الجسور وطرق المواصلات وخطوط أنابيب المياه والبترول
والغاز والذي يلحق اكبر الضرر بمصالح المواطنين.
4-
القيام بأعمال القتل والاغتيال لعدد من أساتذة
الجامعات والأطباء والمهندسين أصحاب الاختصاصات
العالية وضباط سلاح الجو الذين تم إعدادهم للمعركة
المصيرية مع العدو.
5-
الاعتداء على أماكن العبادة من مساجد وأديره وكنائس
وقتل عدد من رجال الدين المسيحي وأئمة وخطباء المساجد
والعلماء المسلمين ومنهم المرحوم الدكتور العلامة
البوطي.
6-
استهداف المدارس ورياض الأطفال والكليات الجامعية
بقذائف الهاون والصواريخ مما أدى إلى وقوع عدد كبير من
الضحايا بالشهداء.
7-
القيام بعمليات ذبح عدد من المواطنين والأطفال ممن تم
اختطافهم.
8-
القيام بتفجير السيارات المفخخة دون أي اعتبار لمن
سيكونون ضحايا هذه التفجيرات وهم طبعا المواطنون
الأبرياء الذين لا ذنب لهم سوى تواجدهم في أماكن
التفجيرات وكذلك التفجيرات باستعمال الأحزمة الناسفة.
9-
قيام الإرهابيين بسرقة المستشفيات والمؤسسات الحكومية
الأخرى وما فيها من مستلزمات والتي جهزت أصلا ليستفيد
منها المواطن السوري.
10-
ضرب مصافي النفط بالقذائف مما أدى إلى توقف العديد من
المصالح والمعامل التي تستخدم هذه المحروقات وكذلك
القيام بتدمير عدد من المستشفيات مما أدى إلى إخراجها
من الخدمة.
11-
القيام بعمليات السطو على النفط والمشتقات النفطية
وتهريبها إلى تركيا.
12-
سرقة الآلات من المصانع التي تنتج العديد من السلع
وبيعها للأتراك بأبخس الأثمان.
13-
الاعتداء على المطارات المدنية والعسكرية والذي يجري
بتنسيق مع العدو الصهيوني إضافة إلى توجيه ضربات إلى
وسائل الدفاع الجوي ومراكز البحوث العلمية وقد اثبت
العدوان الصهيوني وجود هذا التنسيق مع الإرهابيين
والذي تم حين فشل الإرهابيون بالقيام بالمهمة مما اجبر
الصهاينة أن يقوموا بها بأنفسهم.
للأسباب التي وردت سابقا والتي أهمها وقوف القطر
العربي السوري بقيادته في وجه كل المخططات الأمريكية –
الإسرائيلية في المنطقة خاصة تتمسك هذه القيادة
بثوابتها الوطنية والقومية فيما يتعلق بالصراع مع
العدو الإسرائيلي واستمرار اعداد جيشها لاسترداد الأرض
والحقوق، وكذلك تبنيها خيار المقاومة في العراق ولبنان
وفلسطين وسورية، وكذلك رفض القيادة السورية لمد خط
الغاز القطري عبر حلب إلى تركيا وأوروبا والذي يخدم
أمريكا في حربها الاقتصادية على روسيا الاتحادية. كل
ذلك أدى إلى فشل مشروع الشرق الأوسط الجديد (أمريكي)
وبقي السلام المزعوم مع العدو ناقصا، وأصبح الهدف
الأخير للعدو الصهيوني وهو تصفية القضية الفلسطينية
بصورة نهائية مستحيلا. وهكذا فقد وصل معسكر العدوان
إلى قرار انه لا بد من إزاحة النظام السوري من المشهد
مهما كان الثمن ولا بد من تفكيك الدولة السورية عبر
تقسيمها إلى دويلات متعددة لإنهاء وجودها كقوة عسكرية
واقتصادية وكمركز للمد العروبي المتمسك بمشروعه القومي
العربي من ناحية- ولتنفيذ مشروع العدو (يهودية الدولة)
وكان المخطط الأول هو اغتيال الحريري وتحضير عملاء
أمريكا وإسرائيل في لبنان بسرعة توجيه الاتهام إلى
سورية وصدور قرار مجلس الأمن بسحب القوات العربية
السورية من لبنان، وإنشاء المحكمة الدولية التي خططت
لها أمريكا وإسرائيل والسعودية ووافق عليها عميلهم
السنيورة، وبعد فشل هذه المؤامرة جاءت حرب عام 2006
على المقاومة اللبنانية والتي فشل العدو في تحقيق
أهدافه من هذه الحرب وخرج منها حزب الله منتصرا بدعم
مطلق من سورية. وقد بدأ التخطيط لتنفيذ المشروع
الإجرامي الجاري حاليا في سورية قبل سنتين من اندلاع
الأحداث فيها وثبت ذلك ما ورد على لسان وزير الخارجية
الفرنسي الأسبق رولان دوما ووجود الأنفاق الهائلة
المنتشرة على مساحة المدن والقرى السورية والتي تحتاج
لأشهر طويلة لانجازها، وكذلك كميات السلاح الهائلة
التي ظهرت منذ الأيام الأولى للاحداث- والترتيبات
الإعلامية التي كانت قد أعدت بشكل مسبق يغطي مساحة
القطر العربي السوري، وجاهزية محطات التلفزة العميلة
والمعادية للأمة، وكميات المال التي كانت بين أيدي
المتآمرين في الداخل. وقد استفاد الأعداء من موقف
القيادة السورية في دعم المقاومة ومواجهة العدو
الإسرائيلي، ويتمثل ذلك في احتضان حماس وتقديم كل
الدعم لها لتمكينها من مواجهة العدو الإسرائيلي كجزء
من التيار المقاوم وكذلك تحسين العلاقات مع تركيا إلى
درجة كبيرة.
وكان من الطبيعي أن يستعين أعداء الأمة الخارجيين
بعملائهم في الداخل السوري وخاصة الوهابيين وتنظيم
الإخوان المسلمين صاحب التجربة الطويلة في سفك دم
السوريين وتدمير مقدراتهم كأهم رأس حربة عميل لأعداء
الأمة ومن داخل الأمة، ومنهم العملاء في قطر والسعودية
والإمارات وتركيا وغيرها، ومع بداية الخطة كان العديد
من السوريين العاملين في دول الخليج أو الهاربين إلى
تركيا والذين كانوا يعملون مع الإخوان المسلمين ومع
قطر والسعودية والمخابرات الإسرائيلية والتركية
والأمريكية وغيرها، ويقومون بنقل المال والسلاح
والتعليمات وبناء التنظيمات واستمالة ضعاف النفوس من
خلال إغرائهم سواء من نفر من العسكريين بالمال في
الجيش أو الرجال في الدولة أو في اوساط العاطلين عن
العمل والمطلوبين للقضاء أو الهاربين من الخدمة
العسكرية.
ومع بداية الأحداث كانت اوامر القيادة السورية تقضي
بأن لا يتم الرد على هؤلاء بالقوة وعملت على امتصاص
حركتهم وبدأت تعمل على تلبية كل المطالب التي تقدموا
بها وأكثر وتم تشكيل لجان لدراسة هذه المطالب وتنفيذها
وتبين أن هذه المطالب لم تكن أكثر من حجج وبعضها حق
أريد به باطل واستغل هؤلاء هذا الموقف من القيادة
السورية وزادوا من إرهابهم وانتشارهم في كل مدينة
وقرية في سورية. ومع ثبات القيادة السورية والتفاف
الشعب العربي السوري حول هذه القيادة وتماسكه وبقاء
الجيش العربي السوري قويا وموحدا وبقاء كل أجهزة
الدولة السورية متماسكة وملتفة حول قيادتها أصيب
الأعداء بحالة من فقدان التوازن فبدأ الجميع من العدو
الصهيوني وأمريكا وبريطانيا وفرنسا وعملائهم في قطر
والسعودية والإمارات والإخوان المسلمين والسلفين
والقاعدة بدأوا جميعا التصعيد ووضع الخطط وكان أولها
اتخاذ بابا عمرو نقطة للتدخل الخارجي في سوريا وسقط
هذا المخطط، واتخذوا من ريف دمشق مكاناً للقيادة
والتجمع واقتحام دمشق وإسقاط النظام وفشل هذا الخيار
أيضا في المرة الأولى والثانية والثالثة، ثم جاء
اختيار القصير نظرا لموقعها الجغرافي في الوسط كنقطة
انطلاق لتكون قاعدة التدخل الأجنبي وإسقاط النظام وقطع
طريق الإمداد عن المقاومة في لبنان، وهنا أدركت
القيادة السورية انه بات واضحا وبشكل قاطع أن هؤلاء
القتلة والعملاء لا يهدفون لإسقاط النظام في سورية فقط
بل يهدفون إلى تدمير الدولة السورية وتقسيمها خدمة
للعدو الإسرائيلي وعملائه. فكان أن بدأ الجيش العربي
السوري مرحلة حاسمة في مواجهتهم وهذا ما تم فعلا على
الأرض وأدى إلى هزيمة ساحقة للإرهابيين هناك والذين
قدموا خدمات كبرى للعدو فمن معركة المطارات إلى
استهداف أسلحة الدفاع الجوي إلى جانب قتل خيرة الضباط
والطيارين في الجيش العربي السوري وأخيرا إلى التعامل
المباشر مع العدو الإسرائيلي ودون مواربة اما مؤتمر
السلام أو مؤتمر الحوار فقد عملت الولايات المتحدة على
تعطيله والمراوغة في موقفها فهي قررت دعم الإرهابيين
بكل ما تستطيع ومدهم بكل أنواع الأسلحة والمعدات
الحربية ومعدات الاتصال المتطورة جدا، وعملت على تعطيل
عقد مؤتمر جنيف -2- حتى يتم توازن عسكري لعملائها على
الأرض مع الجيش العربي السوري. ونلاحظ أن استمرار
القتال في سوريا يصب في مصلحة التحالف الأمريكي
الصهيوني وعملائه فهو من ناحية يستنزف قدرات الجيش
العربي السوري في الداخل على حساب مواجهة العدو، ويدمر
الدولة السورية ويرهق الشعب العربي السوري ويضعف
المقاومة اللبنانية التي تواجه العدو الصهيوني بشكل
شبه منفرد بعد أن انحازت حماس إلى جانب الإرهابيين في
سوريا والقتال معهم، واتجهت إلى مهادنة ا لعدو
الإسرائيلي ووقف قتاله بعد الوساطة المصرية في هذا
الشأن. ومن جهة أخرى هو يريح الولايات المتحدة والدول
الغربية من شر هؤلاء الإرهابيين الذين يقاتلون في
سورية والتي لا بد أن يطول وجودها هناك لأنه إذا توقف
القتال في سورية وعاد هؤلاء الإرهابيون إلى البلدان
التي قدموا منها، فسيعودون كإرهابيين يمارسون إرهابهم
حيث يتواجدون.
انطلاقا من إيماننا القومي بوحدة هذه الأمة مسارا
ومصيرا وبضرورة الدفاع عن الأمة العربية وتحريرها
وتحررها وتقدمها وهذا يتطلب النضال ضد منظومة الأعداء
المتمثلة بالاستعمار والامبريالية بقيادة الولايات
المتحدة الأمريكية والحركة الصهيونية وانطلاقا مما
يجري ضد امتنا العربية من هجمات وتحديات وأخطار تطال
كل أقطارها وما نشاهده من انقسامات حول مستقبل الأمة
ومصيرها وعدم التوحد في مواجهة المخاطر الإستراتيجية
التي تهدد الأمة ، نقدم رؤية للمشهد السياسي وبخاصة
العدوان الكوني الذي تتعرض له سورية وهي رؤية تعبر عن
موقف حزبنا، حزب البعث العربي التقدمي، حيث يتحمل
الشعب العربي في سورية التكلفة الباهظة في المواجهة
والدفاع عن الأمة العربية ويبذل العرق والدماء من اجل
انتصار الأمة على العدوان وعليه فإننا نرى ضرورة وقوف
أحرار العرب في كل أقطار الوطن العربي إلى جانب القطر
العربي السوري وقيادته الشجاعة وهذا يتطلب الوعي
الكامل بأبعاد استهداف سورية حيث من خلالها تستهدف
امتنا في أرضها وسيادتها وثرواتها وكرامتها وكذلك
باستهدافها يتم توفير الأمن والديمومة للكيان الصهيوني
الغاصب لأرض فلسطين العربية وأراض محتلة في أقطار
عربية أخرى، سورية ولبنان، ويأتي هذا الاستهداف لسورية
لأنها قلعة الصمود والتصدي والمقاومة التي تواجه
المشاريع الأمريكية والصهيونية المعادية للأمة. ومن
الواضح أيضا أن السياسة الخارجية الملتزمة بالثوابت
الوطنية والقومية التي انتهجتها سورية جعلتها تواجه
أعداء كثر . هذه السياسة التي واجهت المشروع الأمريكي
الهادف إلى بسط الهيمنة على المنطقة بكاملها، مثلما
امتازت السياسة السورية بمقاومتها للعدوان الأمريكي –
الصهيوني الاستعماري على المنطقة بعامة وأقطار عربية
في المشرق العربي بخاصة ، العدوان على العراق عام 2003
والتدخلات الفاضحة في شؤون العديد من أقطار الوطن
العربي بما يخدم المصالح الأمريكية والصهيونية مثلما
تمسكت سورية أيضا بالنهج القومي والمقاومة والدفاع عن
قضايا ومصالح الأمة العربية من اجل هذا وغيره الكثير
استهدفت سورية بمخطط عدواني تمت صناعته وحياكة خيوطه
في الغرف الغربية السوداء، وقد تمثل هذا المخطط بشكل
أساسي بتشكيل إطار من أنظمة عربية وإقليمية ودولية وما
يسمى بمعارضة سورية مقيمة خارج الوطن والاستعانة
بعصابات إرهابية حيث تم تأطيرها وتدريبها وإمدادها بكل
أشكال الدعم المالي والسياسي والعسكري.
رافقها إجراءات حصار اقتصادي وسياسي وحملة إعلامية
شرسة غير مسبوقة استندت إلى تشويه الحقائق وتلفيق
وقائع مثلما تم تلفيق أكذوبة ما يسمى بأسلحة الدمار
الشامل الذي تم استخدامه زورا وبهتانا ضد العراق
لتبرير غزوه.
الصراع على سورية وفيها المشروعان المتناقضان
انتهجت سورية العربية طريق مناهضة ومقاومة المخططات
الأمريكية الغربية الصهيونية في المنطقة والتي تستهدف
الأمة وقد برز من خلال هذه المقاومة مشروعان متناقضان
ومتعارضان كليا على الساحة العربية قبل وبعد قيام
الكيان الصهيوني على ارض فلسطين العربية وامتدادات هذا
الكيان العدوانية التي أسفرت عن احتلال أراض في أقطار
عربية أخرى.
واحد هذين المشروعين، المشروع القومي النهضوي العربي
الهادف إلى الكفاح والنضال والمقاومة بكل الوسائل
والسبل لدرء الأخطار التي تواجه الأمة وتحقيق السيادة
والاستقلال والتحرر والوحدة والتقدم لها وامتلاكها
قرارها السيادي وتحرير الأرض والثروات العربية،
والمشروع الأخر هو المشروع الغربي الاستعماري الصهيوني
الهادف إلى الإبقاء على تجزئة الأمة وتفككها وتعميق
التبعية لهذا المشروع عبر استيعاب أنظمة عربية مما
يسهل عليها السيطرة على الأمة ونهب ثرواتها والهيمنة
على الوطن العربي وتوفير أسباب الديمومة للكيان
الصهيوني الغاصب وتفوقه العسكري على الأقطار العربية.
وفي ظل احتدام الصراع المرير بين هذين المشروعين كانت
سورية مركز المشروع القومي وقاعدته الأساسية في مقاومة
المشروع الغربي الاستعماري الصهيوني، وقد مرت عملية
الصراع بمراحل وسمات متعددة انتصارات وهزائم وذلك بسبب
انخراط أنظمة عربية واسعة وعميقة مع المشروع المعادي
حيث كانت اشمل واكبر من التضامن مما يعني سقوط هذه
الأنظمة في دائرة التبعية للمشروع الاستعماري مثلما هو
الحال، حال السقوط، لقوى وحركات وتنظيمات بل وحتى
أحزاب سياسية وعملت هذه الجهات بكل الوسائل والطرق
لإجهاض المشروع القومي النهضوي المدافع عن الأمة
ومصالحها تنفيذا لأوامر أسيادهم الاستعماريين.
وكان من الطبيعي أن يتم توجيه الأحقاد والسهام والحراب
نحو الحاضن والمدافع عن المشروع القومي المتمثل في
سورية العربية التي رفضت وتصدت وقاومت المشروع المضاد
المعادي تقف إلى جانبها الجماهير العربية وان كانت هذه
الجماهير مكبلة ومقموعة من الأنظمة لكن وعلى الرغم من
شراسة المعركة واختلال الموازين لصالح المشروع
الاستعماري استطاعت سورية ومعها فصائل المقاومة والدول
الداعمة لها في الإقليم وبخاصة الجمهورية الإسلامية
الإيرانية أن تحرز انتصارات كبيرة وهامة على الأعداء
ومشروعهم وقد تمثلت هذه الانتصارات بشكل أساسي في
انتصار المقاومة في تحرير معظم ارض لبنان من الاحتلال
الصهيوني في شهر أيار عام 2000م وكذلك الانتصار العظيم
على العدوان الأمريكي الصهيوني على لبنان في شهر تموز
عام 2006م وانتصار الشعب العربي الفلسطيني المقاوم في
قطاع غزة على المعتدين الصهاينة عام 2008/2009.
لقد جعلت هذه الانجازات الإدارات الأمريكية ترفع من
وتيرة عدوانها على سورية كونها قاعدة المقاومة ورديفها
وقد تمثل هذا العدوان في قرارات الكونجرس الأمريكي
بحصار سورية ولما فشل هذا الحصار بجعل سورية تتجاوب مع
السياسات الأمريكية الصهيونية جاء القرار 1559 شهر
(أيلول عام 2004) لتشديد الحصار على سورية عبر البوابة
اللبنانية واتبع هذا القرار باغتيال رفيق الحريري في
شهر شباط عام 2005، ولكن كل هذه الإجراءات الأمريكية
قد فشلت في تغيير مواقف القيادة والدولة السورية، مما
جعل القوى المعادية تقع في شر أعمالها عبر الحرب
العدوانية الكونية التي تشن على سورية منذ الخامس عشر
من آذار عام 2011م. حيث تم حشد قوى دولية استعمارية
وأنظمة عربية وإقليمية على رأسها الكيان الصهيوني
وتركيا العثمانية الاردوغانية وأحزاب وقوى سياسية
لبنانية وغير لبنانية. وجماعة الإخوان المسلمين وقوى
تكفيرية في أقطار الوطن العربي لتنخرط في هذه الحرب
العدوانية حيث تم وضع إمكانات بشرية وعسكرية ومالية
هائلة في أتون هذه الحرب مثلما تم توجيه إعلام يمتلك
إمكانات كبيرة يهدف إلى تشويه الحقائق والوقائع ويقوم
بدور التعبئة والتحريض وتضليل الرأي العام العربي
والدولي وقد لعبت الحرب الإعلامية التي تعرضت، وتتعرض
لها سورية دورا أساسيا قذرا ومؤثرا.
الرؤية
لقد بدأ فشل المؤامرة التي استهدفت سورية يلوح في
الأفق وخاصة بعد الانجازات التي حققها الجيش العربي
السوري على مساحة الوطن وصمود الشعب والإدارة الحكيمة
الشجاعة لقيادة المعركة وإصرارها على التمسك بالمواقف
المبدئية وبالثوابت الوطنية والقومية ومقاومة المشاريع
الاستعمارية الصهيونية التي تستهدف الأمة مثلما تستهدف
سورية بعزيمة وإصرار اكبر وكذلك تبني نهج المقاومة
فكرا وعملا وكذلك تصميم سورية قيادة وشعبا على هزيمة
المؤامرة وتحقيق الانتصار وفق رؤية شاملة تتمثل في
الدعوة إلى الحوار بين كل المكونات الوطنية المخلصة
لسورية وشعبها وفي الوقت نفسه الإصرار على اجتثاث
الإرهاب وتطهير ارض سورية من رجسه، مثلما وضعت أيضا في
المقام الأول بأنها لن تساوم على الحقوق ولن تفرط
بالكرامة الوطنية والقومية، ولا بد لنا وان نركز على
توعية جماهير امتنا العربية والعمل الجاد والحثيث على
كشف المخططات الأمريكية والغربية والصهيونية والتصدي
للهجمة الإعلامية التي تلفق وتزور وتحرض وكشف وتعرية
الأنظمة العربية والإقليمية المنخرطة في المخطط الذي
يستهدف سورية والأمة من خلالها بمعنى أن علينا أن نبذل
جهودا كبيرة بحجم المعركة الكبيرة لتوعية الجماهير
العربية على ابعاد هذه المخططات المعادية وكيفية
التصدي لها وذلك عبر التركيز على بناء الموقف العربي
المقاوم والمتمسك بالأهداف الوطنية والقومية والدفاع
عن المصالح العليا للأمة والتمسك بخيار المقاومة كطريق
وحيد يوصل امتنا إلى استعادة أرضها وحقوقها المسلوبة
في فلسطين أولا وفي كل أقطار الوطن العربي ثانيا.
ونؤكد في هذا السياق على ما تحققه سورية قيادة وجيشا
وشعبا من نجاحات عسكرية وسياسية في مواجهة مخطط أعداء
الأمة وعناصره الإرهابية وكل أطرافه وهذا يشكل لحظة
تاريخية فارقة في تاريخ الصراع مع أعداء الأمة ويضع
حجر الأساس لبناء المشروع القومي النهضوي العربي الذي
تستند إليه أجيال الأمة القادمة في بناء مستقبلها.
وعليه، فإننا ندعو أحرار امتنا العربية إلى الوقوف مع
سورية قيادة وجيشا وشعبا وهي تواجه القوى الباغية التي
باعت النفس بالدولارات النجسة وانخرطت في المشروع
الأمريكي الصهيوني المعادي للأمة مثلما نتوجه بتحية
إكبار إلى كل من وقف إلى جانب حق سورية في الدفاع عن
نفسها، روسيا الاتحادية، الصين، إيران، "ودول البريكس"
ودول أمريكا اللاتينية والأحزاب والمنظمات العربية
وغيرها.
سورية العربية في عين العاصفة واستقرارها هو العنوان
لاستقرار المنطقة وهي تشكل سدا منيعا في مواجهة ومنع
المشروع الاستعماري من تحقيق هدفه الأساسي المتمثل في
تمرير الشرق الأوسط الجديد الذي يهدف إلى تفكيك أقطار
الأمة على أسس طائفية وعرقية ومذهبية طالما اشعل نار
الفتنة وصولا إلى هذا الهدف.
مكتب الإعلام المركزي
|