مكاتب الحزب > مكتب الإعلام المركزي > حول الدولة القطرية ومخاطرها

 

 

 

 

حول الدولة القطرية ومخاطرها

 

تسعى الأحزاب والقوى القومية والتقدمية العربية لبناء المشروع النهضوي العربي من اجل صنع المستقبل العربي القادر على مواجهة المعضلات والتحديات والأخطار والتي يأتي في مقدمتها التجزئة والتخلف والاستبداد والاحتلال واغتصاب الأرض العربية وغياب الديمقراطية، بمعنى ان المشروع العربي النهضوي يقوم على توحيد طاقات الأمة وقدراتها وحشدها في الدفاع عن الأمة واستقلالها واستعادة أرضها والحفاظ على ثرواتها، وهذا يستوجب قبل شيء الخروج من دائرة الدولة القطرية التي جاءت نتيجة تجزئة الوطن العربي من خلال الاتفاقية البريطانية- الفرنسية المسماة باتفاقية سايكس – بيكو التي مثلت القضية الأساسية أمام المشروع القومي العربي النهضوي الوحدوي مثلما مثل التمسك الراهن بالأيدلوجيات القطرية وتكريسها على حساب الفكر العربي القومي سببا أساسيا في الكوارث التي أصابت الأمة العربية، والتي ما تزال، تنهش من جسم الأمة الواحد عبر تعرض الأمة للعديد من النكبات والاحتلالات حيث استطاع الصهاينة وبمساعدة ومساندة من الاستعمار والامبريالية من اغتصاب ارض شعب فلسطين واحتلال أراض في أقطار عربية أخرى (سورية ولبنان) كما تم احتلال أمريكا لأرض العراق، وخضعت أقطار عربية أخرى للهيمنة الأمريكية والتي زرعت العديد من القواعد العسكرية البرية والبحرية والجوية في العديد من أقطار الوطن العربي والتي يهدد وجودها امن الوطن العربي وتقوم أمريكا بتقديم كل أشكال الدعم لكيان العدو الصهيوني مثلما عملت، وتعمل، على خلق إشكالات وصراعات وانقسامات داخل العديد من أقطارا لوطن العربي وهذا لم يكن ليتم لولا سيادة الفكر القطري في هذه الأقطار ذلك لان القطرية لم تعد مجرد أمر واقع فرضته القوى الاستعمارية على الوطن العربي بل أصبح واقعا ثقافيا وأيدلوجيا وسياسيا عند أنظمة عربية عديدة في الوطن العربي الكبير والتي وصلت فعلا إلى حد الانغلاق القانوني والسياسي والثقافي والاقتصادي وأوصل بعضها إلى الانخراط المباشر أو غير المباشر في المشاريع السياسية للقوى الأجنبية بعامة والولايات المتحدة الأمريكية بخاصة وهذا يعني فيما يعنيه ان القطرية أصبحت تشكل أداة تسهل هيمنة النظام العالمي على المجتمعات العربية ويشكل أزمة وعناصر كبيرة أمام المشروع القومي الوحدوي المتمثل في السعي لتأسيس الدولة العربية القومية الواحدة وعقبة أمام مشروع التكامل الاقتصادي العربي والوحدة الاقتصادية العربية، وتحديا حقيقيا للقوى القومية الوحدوية العربية في أقطار الوطن العربي.

انه ورغم ما يمثله الفكر القطري، يزعم البعض، أن باستطاعة العرب بناء مشروعهم النهضوي ومعالجة الأوضاع العربية السائدة من موقع الدولة القطرية ويدعون ان فكرة المشروع القومي للنهضة نمط من أصولية قومية انتهى زمنها في ظل الواقع العربي الراهن وكذلك الواقع الدولي حيث سيادة العولمة وللرد على هؤلاء، إذا كانت محاولات النهضة العربية المتكررة والعمل من اجلها لم تنجح حتى الآن فهذا لا يعني التوقف عن الاستمرار في النضال الجاد من اجل تحقيقها كضرورة قومية ذلك لان الوجود العربي في ظل التجزئة وفقدان الهوية عند القطريين يواجه مخاطر جدية تجعل من الضروري علينا ان نكثف نضالنا كقوى قومية لإزالة العوائق التي تحول دون تحقيق المشروع العربي الوحدوي ويأتي في مقدمة هذه العوائق الدولة القطرية حيث لا يمكن تحقيق هذا المشروع في ظل وجودها والتمسك بها وتعميقها وإقامتها لتحالفات مع جهات معادية للشعب والأمة من اجل الوصول إلى مكاسب ذاتية ضيقة للحكام وإتباعهم الموغلين في القطرية. تلك الأنظمة التي أمعنت في الأيدلوجية القطرية عبر تكريس التجزئة التي أوجدها المستعمرون أثناء وجودهم في وطننا، وفي المقابل فإننا نرى الجماهير الشعبية العربية تمارس في علاقاتها اليومية المباشرة وفي تقاليدها وقيمها المادية والروحية والقومية وتلتزم في سلوكها أعلى درجات هذه القيم بشكل عفوي وإرادي (ولنا في اهتمام الجماهير العربية في أقطارا لعرب بمجريات الأمور في أقطار عربية أخرى، مثل تونس، مصر، ليبيا، اليمن، البحرين، الجزائر، المغرب، لبنان، العراق، وغيرها) ما يؤيد ما نقول كما نرى أن قطاعات واسعة من هذه الجماهير تنخرط في أحزاب ومنظمات سياسية وفكرية تعتمد الفكر القومي في مواجهة شعارات القطرية التي تجسدها السلطات الحاكمة في العديد من الأقطار العربية. أي أن الأحزاب والمنظمات القومية تعارض هذه السلطات في توجهاتها القطرية الانعزالية ذلك لأنها تتناقض مع الهوية والذات القومية مما يدفع هذه الأنظمة لمحاصرة القوى القومية بأحزابها ومنظماتها وتوجهاتها باستخدام كل أشكال المنع والقمع. كما يتم تغييب الديمقراطية لتحل بدلا عنها ما تفرضه الأنظمة لقوانينها الخاصة والتي تتصادم مع القوى القومية في القطر العربي الواحد.

نعترف بأن الأيدلوجية القطرية على اختلاف أنواعها وأشكالها ووجودها قد أصبحت امرا واقعا تجسد عبر بناء سياسي واقتصادي واجتماعي، لكن نرى ان الواقع أيضا يوضح لنا ان الكيانات العربية القطرية لم تنجح في البناء السليم في هذه المجالات بل تحولت إلى كيانات في معظمها تابعة للهيمنة الأجنبية وتعاني الجماهير العربية فيها من العوز والفقر والاستبداد والظلم، مثلما نشاهد ان العديد من أقطار الوطن العربي تواجه انقسامات وتجزئة على اسس عرقية وطائفية ومذهبية ما كان لها ان توجد لولا تعميق الهوية القطرية والفئوية التي عملت فئات واسعة على التفرقة والبعد بين أقطار الوطن العربي الواحد بل أكثر من ذلك فقد عملت على إحباط أو الإجهاز على التوجهات العربية الوحدوية بمعنى ان هؤلاء جعلوا من القطرية امتدادا تاريخيا لتبرير استقلال المجتمع القطري واستمراريته كظاهرة مضادة لاستيعاب الإطار الحضاري القومي الأوسع والأعم والأقوى والأجدى ولهذا السبب وجدنا الصراعات والنزاعات بين أبناء الأمة الواحدة. كما يحق لنا ان نقول بأن القطرية قد تسببت بأزمة للمشروع القومي الحضاري عبر العمل على تحقيق مصالح أنانية وذاتية لجهاز الدولة القطرية حيث يعمل هؤلاء وفقا لمصالح ومنافع تجعلهم يدفعون باتجاه سيطرة الثقافة القطرية والانغلاق على المحيط العربي وهذا ادى إلى وجود قوانين وسياسات أوصلت إلى الفرقة مع الأقطار العربية الأخرى باسم الهوية والمصلحة القطرية. وقد شجعت القوى الامبريالية والصهيونية والاستعمارية هذا النهج للحيلولة دون الأمة ووحدتها حيث وضعت كل خبرتها السياسية وإمكاناتها المادية في بعض الأحيان لدفع النخب القطرية الحاكمة للابتعاد عن المسار الوحدوي ان لم نقل معاداته.

ولنا ان نتساءل، هل تملك هذه القوى المحلية منها والأجنبية القدرة على إجهاض المشروع الوحدوي والإجهاز عليه؟ نجيب، لا، وأرجو ان لا تعتبر هذه الإجابة محكومة بالرغائبية بل هي ضمن الحقائق الموضوعية ذلك لان المشروع القومي النهضوي الحضاري العربي يستند إلى مصالح سياسية واقتصادية وأمنية للقطاع الاعرض والأوسع من أبناء الأمة العربية مما يجعلهم يناضلون من اجل إخراج الأمة من أزماتها ومن التبعية والانكسار وأخذها إلى القدرة على مواجهة التحديات والأخطار التي تهدد الأمة. نقول هذا ونحن ندرك بالطبع طبيعة ومدى شراسة القوى المعادية وقدراتها وإمكاناتها الكبيرة، ولكننا ندرك في الوقت نفسه إمكانات الشعب العربي وقوة إرادته عندما يتحرك من اجل حريته وكرامته وحقوقه. كما نستطيع الرد على الأيدلوجية القطرية إذا ما تعمقنا بقراءة المنهجية التاريخية لدحض الذرائع النظرية التي اعتمدها القطريون والتي تتراوح بين الطروحات السطحية وتلك التي تفصح عن جهد نقدي وتسويغي واضح في حربها على القومية العربية.

كما يعتمد هؤلاء على نفي الدور الحاسم الذي أداه التاريخ العربي والإسلامي في تحديد هوية الأمة العربية وصنع وحدتها مستندين إلى عوامل التجزئة داخل المجتمع العربي والإسلامي والتي ، حسب ادعائهم، كانت اشد تأثيرا من عوامل الوحدة، متجاهلين التاريخ الموحد للمجتمع العربي في عصور تاريخية طويلة وانجازات العرب العظيمة في ظل وحدتهم، وان كنا لا ننكر الظواهر السلبية والانقسامات التي مرت بها الأمة في مراحل معينة مثلما يتجاهل هؤلاء رسالة دولة عربية تاريخية منسقة ومتكاملة اعتمدت العقيدة والثقافة والهوية العربية التي أثرت الحضارة الغربية في حقب هامة من العصور. ولنا ان نقول أيضا، ان ادعاء المشروع القطري بأنه يستمد أساسه وعناصر وجوده من الحاضر بدلا من الماضي ومن المصالح المحلية لكل قطر بدلا من الوعي والانتماء القومي فإن الرد عليه يتم من خلال رؤية واقعية واضحة تتمثل في عجز الدولة القطرية عن إشراك المجتمع المدني في عملية تنموية قادرة على تعزيز المشاركة والتماسك الاجتماعي وان الدولة القطرية بمفردها وبمعزل عن ا قطار الأمة غير قادرة فعليا على تأمين الأمن السياسي والاقتصادي وتوفير متطلبات الدولة والمجتمع بعيدا عن الاقتصاد العربي مما جعل، ويجعل الخيارات الاقتصادية القطرية تفشل في تحقيق التنمية وتلجأ في معظم الأحيان إلى ربط بعض القطاعات الاقتصادية بالرأسمال العالمي مما يجعلها لا تصل إلى الإنتاجية الوطنية والتي لا يمكن ان تتحقق الا عبر اختيار طريق التكامل الاقتصادي العربي اما في الإطار السياسي فقد توصلت الدراسات إلى انقطاع العلاقة بين الدولة القطرية والشعب حيث نشأت معزولة عن تطلعاته خاصة وان حكام الدولة القطرية في معظم البلدان يرتبطون مع السياسات الاستعمارية المعادية لاماني الشعب وهذا ما جعل العديد منها أداة لقمعه.

نعود لنؤكد بالموضوعية والواقعية إننا لا نستطيع إنكار العقبات التي تواجه الفكر القومي الذي يحمله المجتمع العربي بأغلبيته الكبيرة الذي يعيش أزمة مفتوحة ولكن إلى حين حيث في النهاية سوف تكون الولادة الجديدة على قاعدة الرؤية القومية القوية والتي تشكل ضغطا كبيرا على الفكر القطري ومصطلحاته ومفاهيمه القائمة على التجزئة والانغلاق والحفاظ على الإرث الاستعماري الذي اوجد القطرية وخلق النزاعات والزعامات والفئات النفعية ووضع طاقات الدولة في يد فئة من اجل مواجهة التوجه والإيمان القومي للسواد الأعظم من أبناء الشعب.

ويبقى علينا ان نؤكد على النضال من اجل تحقيق اليقظة والوعي القومي لمواجهة القطرية، وبناء المستقبل العربي الواعد المستند إلى العوامل التي توحد الأمة وتجعلها قادرة على مواجهة ما يخطط لها الأعداء من مشاريع ومؤامرات تهدف إلى الإجهاز على استقلالها وهويتها وثرواتها.

وفي الختام فإننا نؤكد على العلاقة بين العام (القومي) والخاص (القطري) ونقول بأنه يجب أن لا يكون هناك تناقض بينهما لأنه حين يتم تحقيق الصالح القومي العام فإنه يتم تحقيق الصالح الخاص لكل قطر عربي، ذلك أن العام القومي مكون من مجموع الخواص القطرية.