ما يجري في سورية ودور الجامعة العربية

 

الإخوة والأخوات، الرفاق والرفيقات

السلام عليكم ورحمة الله وبركاته

تتسارع الأحداث التي تشهدها سورية في سباق مع الزمن حيث تعمل القوى المعادية لسورية الأجنبية منها والعربية وما يسمى بالمعارضة السورية غير الوطنية بكل طاقاتها على خلق مبررات تستهدف تشويه صورتها وتهديد أمنها واستقرارها، مبررات تتولى أجهزة أمنية عربية وغير عربية وأخرى إعلامية موجهة وسياسية معادية تقوم بتسويقها في حملة مسعورة للضغط على سورية سياسيا وامنيا واقتصاديا، وقد سلحت هذه الجهات عصابات إرهابية ورصدت مبالغ مالية طائلة لتمويل هذه العصابات التي تمارس القتل على الهوية لخلق فتنة طائفية ومذهبية من اجل خلق مناخ حرب أهلية تهدف إلى تنفيذ مخططات التقسيم التي وضعت أسسها الحركة الصهيونية والولايات المتحدة الأمريكية الشريك الاستراتيجي لهذه الحركة.

ويحق لنا أن نتساءل لماذا استهداف سورية ومنذ عشرات السنوات؟ هل صحيح من اجل تحقيق ديمقراطية وإصلاحات وهي مطلوبة بالنسبة إلينا وإلى الشعب والقيادة السورية ويجري العمل الجاد على تحقيقها؟ أم من اجل معاقبة سورية على مواقفها الوطنية والقومية ومواجهتها القوية للمخططات والمشاريع التي تستهدف الأمة العربية ودعمها للمقاومة في فلسطين ولبنان والعراق؟ وحقيقة الأمر أن سورية مستهدفة بحملة صهيونية أمريكية استعمارية ومعها أنظمة عربية تدور في فلكها من اجل توفير الحماية والأمن للكيان الصهيونية عبر إسقاط القاعدة والركيزة الأساسية للمقاومة المتمثلة في سورية التي تشكل الحاضنة الوحيدة لهذه المقاومة الممتدة من إيران إلى فلسطين ولبنان.

إننا نفهم ابعاد وأسباب مواقف أعداء الأمة ولكن نتوقف عند المنظمة المسماة بجامعة الدول العربية، التي تم إنشاؤها أصلا في الثاني والعشرين من شهر آذار عام 1945م من اجل تثبيت العلاقات الوثيقة والروابط العديدة التي تربط بين الدول العربية ودعم هذه الروابط وتوطيدها على أساس احترام استقلال تلك الدول وسيادتها وتوجيه جهودها إلى ما فيه خيرها وتأمين مستقبلها وتحقيق آمال وتطلعات الشعب العربي في هذه الدول وفقا لما جاء في ديباجة ميثاق الجامعة. كما نص ميثاق الجامعة أيضا في المادة الثامنة بكل صراحة ووضوح على احترام كل دولة من الدول المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول الجامعة الأخرى وتعتبره حقا من حقوق تلك الدول وتتعهد بأن لا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير ذلك النظام فيها. وهنا نسأل هل التزمت جامعة الدول العربية بنصوص ميثاقها فيما يتعلق بالأحداث التي تشهدها سورية هذه الأيام أم انها خرقت الميثاق وعملت وما تزال تعمل على إلحاق الضرر بأمن سورية واستقرارها والدفع باتجاه تعريضها لتدخل أجنبي مدمر؟ مثلما عملت الجامعة وقراراتها لدولة عربية أخرى هي ليبيا.

الإخوة والأخوات، الرفاق والرفيقات.

خلال ما يزيد على الشهر قليلا عقدت جامعة الدول العربية أربعة اجتماعات وهي تتهيأ لعقد الاجتماع الخامس يوم الخميس القادم، واتخذت في هذه الاجتماعات قرارات ومبادرات لتدمير سورية أم لحمايتها، وهنا أيضا اسمحوا لي أن أتساءل، لقد مضى على جامعة الدول العربية أكثر من ستة عقود فهل حققت خلالها طموحات الشعب العربي في أقطار الوطن؟ وهل نفذت الجامعة المعاهدات والاتفاقيات العربية المشتركة؟ معاهدة الدفاع العربي المشترك التي تم التوقيع عليها من الدول الأعضاء عام 1950م اتفاقية الوحدة الاقتصادية العربية المؤرخة في الثالث من حزيران عام 1957م والسوق العربية المشتركة أم أن هذه الاتفاقيات قد دفنت في ادراج الجامعة العربية؟ ثم لماذا لم تخرج فكرة محكمة العدل العربية المختصة بالنزاعات العربية إلى حيز الوجود؟ وعطفا على نشاط الجامعة المحموم خلال هذه الأيام نتساءل أيضا، أين كانت جامعة الدول العربية حين شنت إدارة الرئيس الأمريكي جورج بوش عبر الأداة الصهيونية عدوانها الدموي التدميري على لبنان في الثاني عشر من تموز عام 2006م، وما هي التحركات والجهود التي بذلتها لإنقاذ شعب لبنان من القتل ومؤسساته ومدنه  من التدمير؟ إلا نستطيع القول وفقا لمجريات الوقائع بأن العديد من دول الجامعة كانت ضالعة في هذا العدوان؟ ثم ماذا فعلت جامعة الدول العربية لشعبنا العربي الفلسطيني عبر تاريخ الصراع مع العدو بعامة وعندما تعرض قطاع غزة لعدوان إجرامي دموي تدميري صهيوني أواخر عام 2008م؟ الم نشاهد معا تعثر اجتماعات الجامعة وفشلها في عقد اجتماع من اجل إنقاذ الشعب من القتل والدمار؟

نعم، أن الدم يتجمد في عروق الجامعة عندما يتعلق الأمر بالعدوان الأمريكي الصهيوني الغربي على فلسطين وشعبها، على العراق وشعبها، على لبنان وشعبه، ولكن تدب الحياة في روحها وتتدفق الدماء في عروقها عندما يتعلق الأمر بالعدوان على ليبيا حيث تجتمع الجامعة وبسرعة وتتخذ قرارا يمهد لعدوان أطلسي على هذا البلد العربي، ثم ها هي الدماء تتدفق ساخنة في عروقها من اجل التهيئة لعدوان أطلسي على سورية بعد أفشلت روسيا والصين هذا العدوان عبر مجلس الأمن الدولي فجاء دور الجامعة لتكون الجسر الموصل لهذا العدوان.

الإخوة والأخوات، الرفاق والرفيقات

المحزن والمفجع أن ما يجري في المنطقة بشكل عام وما تتعرض له سورية بشكل خاص إنما هو بفعل غياب الوازع الديني والعقلي والأخلاقي وعمليات التعرية الفكرية لأنظمة عربية ومنظمات ومجموعات تدعي الإسلام سقط القناع الأسود عن وجهها وأظهرها  على حقيقتها الدموية، مثلما هو مؤلم أن تكون هناك مجموعات ما زالت مخدوعة ومضللة وأخرى باعت نفسها بالدولارات الملطخة بدماء أبناء الأمة العربية بعامة والشعب العربي السوري بخاصة المستهدف من السيد الذي اشترى ضمائرهم لقتل أبناء الشعب العربي في سورية في محاولة للإجهاز على دورها القومي، لا بل لشطب سورية من الخارطة السياسية لتوفير الأمن والحماية للكيان الصهيوني وتمرير مشروع الشرق الأوسط الجديد الذي يستهدف أقطار الأمة في وحدتها أرضا وشعبا مثلما يستهدف استقلالها وسيادتها وثرواتها.

أن سورية كانت وما زالت وستبقى مؤمنة بعروبتها، مؤمنة بأمتها، مؤمنة بالنضال الفعال المعادي للامبريالية والصهيونية وحريصة كل الحرص على استمرارية هذا النضال منطلقة في ذلك من الاستجابة المخلصة للمصالح الحقيقية للأمة العربية ومن الحرص على حشد الطاقات العربية وتحقيق الموقف العربي الموحد وتعزيز النضال العربي العام المعادي للامبريالية والصهيونية وستبقى تعمل بكل جد وإخلاص من اجل تحقيق الأهداف الكبرى للأمة العربية في تحرير الأراضي العربية المحتلة واستعادة الحقوق المغتصبة وخاصة الحقوق الوطنية والقومية الثابتة للشعب العربي الفلسطيني ومواصلة السير على طريق التقدم والبناء وتحقيق آمال وتطلعات الشعب العربي في سورية وجماهير الأمة العربية في الوحدة والحرية والاشتراكية .

نعم، ستبقى سورية كما كانت عبر تاريخها محافظة على مكانتها في النضال العربي ستبقى قلب العروبة النابض، ولن تتوقف وتحت أي ظرف عن تقديم التضحيات والشهداء في سبيل قضايا الأمة العربية رغم الألم الشديد الذي طالما أصابها من ذوي القربى، إذا صح هذا التعبير، وستفشل سورية بفضل وعي شعبها وقيادتها  وبفضل وحدتها الوطنية التي ظهرت جلية من خلال الحالة الشعبية التي شاهدناها حيث خرجت جموع الشعب في المدن والقرى في كل المحافظات تعلن التفافها حول الوطن وقيادته معبرة عن مفهوم الوحدة الوطنية التي أصبحت في سورية نظاما سياسيا واقتصاديا واجتماعيا متكامل الابعاد، وحدة وطنية للشعب بكل مكوناته تضحي من اجل حماية الوطن معتمدة على قوة الإرادة والاعتماد على الذات وتحريض نزعة التحدي لدى جموع الشعب لمواجهة المؤامرة التي تستهدف سورية من أي جهة كانت داخلية أم إقليمية أم عربية أم صهيونية أم استعمارية.

الإخوة والأخوات، الرفاق والرفيقات

لا بد لنا وان نتوقف من اجل حماية وطننا الأردن عبر العمل من اجل منع الدفع به باتجاه توتير علاقاته مع سورية التي تربطنا بها علاقات الجغرافيا والتاريخ ووشائج القربى والدم، تربطنا بها علاقات اجتماعية ومصالح اقتصادية خاصة وإننا نسمع اصواتا ممجوجة تطالب الأردن بقطع علاقاته السياسية والدبلوماسية مع سورية والاعتراف بمجلس الشؤم والتآمر، مجلس اسطنبول الذي يطالب ليل نهار بالتدخل الأجنبي بعامة والتركي بخاصة عسكريا ضد سورية، حيث ينطلق هذا المجلس بكل مكوناته من أحقاد سوداء أعمت البصيرة قبل البصر.

وأخيرا، اسمحوا لي أن أوجه باسمكم جميعا التحية الخالصة للدول التي دافعت عن سورية في المحافل الدولية، تحية لروسيا، تحية للصين، تحية إلى الهند والبرازيل وجنوب إفريقيا، تحية لكل دول أمريكا اللاتينية، مثلما نحذر تركيا اوغلو واردوغان من التدخل في شؤون سورية وبخاصة ما يسمى بالمنطقة العازلة، حيث أن قيام هذه القيادة بالاقدام على مثل هذه الحماقة تعتبر إعلان حرب تحرق تركيا قبل المنطقة.

ونقول: لقد استمعنا إلى تصريح قبل أيام للرئيس بشار الأسد لصحيفة بريطانية يقول فيه، إذا ما تعرضت سورية لعدوان أجنبي فإنني سأقاتل حتى الشهادة دفاعا عن سورية، ونقول للسيد الرئيس انك لا تدافع عن سورية فقط بل عن الأمة العربية كلها، ونحن بدورنا يا سيادة الرئيس وكل أحرار العرب سنقاتل معك حتى الشهادة أيضا دفاعا عن سورية الصمود، سورية الكرامة، سورية المقاومة. وكلنا ثقة بأن سورية ستبقى قلعة منيعة شامخة عصية على الأعداء لا ترهبها المؤامرات لن تستسلم سورية ولن ترضخ ولن تلين ولن تنكسر إرادتها مهما بلغ حجم التحديات.

والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.

الأمين العام

لحزب البعث العربي التقدمي

فــــؤاد دبــــــور

عمان 22/11/2011