الدولة والدولة الفلسطينية
الدولة ارض وشعب يقيم عليها، وله نظام وسلطة ذات سيادة
مستقلة في اتخاذ قراراتها وانتهاج سياساتها، وتنظيم
أمورها الداخلية والخارجية بحرية تامة، وتتمتع هذه
السلطة بالقدرة على إنشاء قواعد قانونية وعلاقات دولية
دون املاءات من أية جهة خارجية كما تمتلك الدولة
مؤسسات حكومية وأهلية مستقلة، هذه مواصفات ومقومات
الدولة بشكل مختصر ومبسط، شعب، وارض، ونظام وسيادة،
اما فيما يتعلق بالدولة الفلسطينية التي تشكل محور
سياسة السلطة الفلسطينية هذه الأيام فهذا يجعلنا نعود
إلى الميثاق الوطني الفلسطيني الذي تم إعلانه في شهر
كانون الثاني من العام 1968م حيث تضمن الميثاق نصا
واضحا يؤكد على إقامة دولة فلسطينية ديمقراطية مستقلة
وذات سيادة تحفظ للمواطنين الفلسطينيين حقوقهم الشرعية
دون أي تمييز بسبب الدين أو العقيدة وتكون مدينة القدس
عاصمة لها، كما نصت المادة الأولى من هذا الميثاق على
أن فلسطين وطن الشعب العربي الفلسطيني وهي جزء لا
يتجزأ من الوطن العربي الكبير والشعب الفلسطيني جزء من
الأمة العربية، بمعنى أن الشعب العربي الفلسطيني قد
أكد على حقه الثابت في إقامة دولته المستقلة فوق ارض
وطنه مثلما أكدت على هذا الحق المنظمات والهيئات
الدولية وفي مقدمتها هيئة الأمم المتحدة ومجلس الأمن
الدولي منذ عشرات السنين وقد تجسد هذا الأمر بالقرارات
الدولية التي نتعرض لأبرزها، القرار رقم 2625 الصادر
عن هيئة الأمم المتحدة بتاريخ 24 تشرين الأول عام
1970م، حيث نص هذا القرار على حق جميع الشعوب بمقتضى
مبدأ المساواة في الحقوق وبالذات حقها في تقرير مصيرها
بنفسها بحرية ودون تدخل خارجي كما تقوم هذه الشعوب
بممارسة سيادتها السياسية والاقتصادية والاجتماعية
والثقافية. والفلسطينيون شعب يتمتع بكل الحقوق التي
تتيح له إقامة دولته فوق أرضه التي تم احتلالها قسرا
بالقوة المسلحة وبما يتناقض مع المواثيق والقوانين
الدولية. وفي العاشر من تشرين الثاني عام 1975، أنشأت
الجمعية العامة للأمم المتحدة لجنة لدراسة أوضاع الشعب
الفلسطيني وحقوقه في أرضه حيث أكدت هذه اللجنة على
الحقوق المشروعة للشعب الفلسطيني مثلما أكدت على اعداد
برنامج يمكن هذا الشعب من ممارسة هذه الحقوق في العام
1976م حيث تضمن جزء من هذا البرنامج التأكيد على حق
العودة للاجئين الفلسطينيين وأخر على حق تقرير المصير
والاستقلال الوطني والسيادة مثلما تضمن هذا البرنامج
أيضا توصيات باعداد جدول زمني يقرره مجلس الأمن الدولي
لانسحاب قوات الاحتلال الصهيوني التام من كل الأراضي
الفلسطينية المحتلة اثر عدوان الخامس من حزيران عام
1967م ووقف الاستيطان وإزالة المستعمرات الاستيطانية
القائمة وإقامة الدولة الفلسطينية المستقلة ولكن
وكالعادة جاء الفيتو الأمريكي ليحبط ويفشل تنفيذ هذا
القرار في مجلس الأمن الدولي. هذا فيما يتعلق بالهيئات
الدولية، اما فيما يتعلق بالشعب الفلسطيني ممثلا
بمنظمة التحرير الفلسطينية فقد تمسك بحقه الثابت في
إقامة دولته الفلسطينية المستقلة وذات السيادة
وعاصمتها القدس وتم الإعلان عن مثل هذه الدولة في جلسة
للمجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988م واعترفت
بهذا الإعلان عشرات الدول في العالم وإذا ما توقفنا
امام تحرك السلطة الفلسطينية نحو هيئة الأمم المتحدة
ومجلس الأمن الدولي هذه الأيام للحصول على اعتراف
بدولة فلسطينية فإننا نرى بأن الدافع الحقيقي وراء هذا
التحرك يتمثل في استمرار حكومات العدو الصهيوني بعامة
وحكومة الإرهابي نتنياهو الحالية بالمناورة ورفض
التفاوض الجدي مع السلطة مثلما ترفض هذه الحكومة،
كسابقاتها، وقف الاستيطان حيث تستمر في بناء عشرات
آلاف الوحدات السكنية فوق ارض الضفة الغربية المحتلة
عام 1967م بعامة وفي مدينة القدس ومحيطها بشكل خاص
مثلما أقدمت حكومات العدو، وما تزال، على مصادرة
مساحات واسعة من هذه الأرض وبخاصة تلك التي صادرها
جدار الفصل الذي يقيمه الصهاينة في هذه الأرض أيضا.
وإذا ما استعرضنا المواقف الصهيونية والدولية تجاه
خطوة السلطة الفلسطينية بطرح قضية الدولة الفلسطينية
على الأمم المتحدة نجد أن حكومة نتنياهو ترفض مثل هذا
الإجراء رفضا مطلقا وتهدد باتخاذ إجراءات ضد السلطة
الفلسطينية سياسية واقتصادية بشكل خاص، اما إدارة
الرئيس اوباما فهي تساند بالمطلق الموقف الصهيوني
وتهدد باستخدام حق الفيتو في مجلس الأمن الدولي
للحيلولة دون الاعتراف بالدولة الفلسطينية مثلما تهدد
بوقف ما تقدمه من مساعدات مالية إلى السلطة الفلسطينية
وإجراءات أخرى من شأنها إلحاق الضرر بالشعب الفلسطيني،
اما مواقف الدول الأوروبية فمنها من يرفض ويساند
الموقف الصهيوني ومنها دول مترددة في اتخاذ المواقف
ومنها من يدعم هذه الخطوة، هذا علما بأن الرئيس اوباما
نفسه سبق وتحدث عن وجود دولتين "إسرائيلية وفلسطينية"
مما يؤكد انه لا يستقر على رأي بسبب الضغوطات
الصهيونية عليه.
طبعا، جميعنا يعرف تماما مواقف الصهاينة من إقامة دولة
فلسطينية حيث يمكن القبول بكيان فلسطيني منقوص السيادة
والاستقلال وتظل القدس العربية موحدة وعاصمة للكيان
الصهيوني ، ويرفض الصهاينة الاعتراف بالحقوق المشروعة
للاجئين الفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم وممتلكاتهم
وأرضهم التي تم طردهم منها بالقوة مثلما يقولون بوجوب
أن يبقى هذا الكيان منزوع السلاح فلا جيش ولا دخول
لقوات أجنبية إلى أرضه، ويكون المجال الجوي للكيان
الفلسطيني تحت سيطرة الصهاينة. امام مثل هذه المواقف
الصهيونية والأمريكية بشكل خاص يحق لنا أن نتساءل هل
الوصول إلى دولة فلسطينية عبر هيئة الأمم المتحدة على
مساحة لا تزيد عن 22% من ارض فلسطين العربية التاريخية
هذا في حال انسحب العدو الصهيوني من الأرض المحتلة عام
1967م بالكامل واقدم على إزالة المستعمرات
الاستيطانية. امام مثل هذه المواقف يحق لنا أن نتساءل
هل هذا يشكل هدفا فلسطينيا يساوي الثمن الذي دفعه
الشعب العربي الفلسطيني، ولا يزال يدفعه، من دماء
وشهداء وجرحى ومعتقلين ومعاناة؟! وما هو مصير ملايين
اللاجئين الفلسطينيين الذي تم طردهم من أرضهم المحتلة
اثر عدوان عام 1948م في حال قيام الدولة الفلسطينية
التي توجب الاعتراف القانوني باحتلال الكيان الصهيوني
لأرضهم؟! ثم كيف ستتعامل سلطة الدولة الفلسطينية مع
الاتفاقات الاقتصادية مع الكيان الصهيوني ومع قضية
المياه والكهرباء والحدود، ومع الجزء الشرقي المحتل من
القدس اثر عدوان الخامس من حزيران عام 1967م والذي
أقدمت سلطات الاحتلال الصهيوني على ضمه إلى الجزء
الغربي المحتل عام 1948م لتصبح مدينة القدس العربية هي
العاصمة الموحدة للكيان الصهيوني على حد زعم
الصهاينة؟! وكذلك، كيف سيتم التعامل مع المستعمرات
الاستيطانية الصهيونية والتي تصل في عددها إلى أكثر من
200 مستعمرة، يقطنها أكثر من 200 ألف مستوطن؟ ونتساءل،
ونتساءل، حتى نصل إلى سؤال يتعلق بماهية ا لدولة
الفلسطينية والأسس التي تقوم عليها وطنيا وإقليميا
ودوليا، وهل إقامة مثل هذه الدولة يحل قضية الصراع
العربي – الصهيوني ويؤمن الاستقرار في المنطقة؟
نعم، أن الدولة الفلسطينية المستقلة ذات السيادة
التامة وعاصمتها مدينة القدس العربية هو حق طبيعي
للشعب العربي الفلسطيني اعترفت به المواثيق الدولية
وحقوق الإنسان مثلما هو حق تاريخي لهذا الشعب في أرضه
ووطنه كما يمثل أيضا حق العودة للفلسطينيين الذين
طردوا من أرضهم حقا تاريخيا مشروعا أكدت عليه هيئة
الأمم المتحدة بالقرار 194 لعام 1948م ولكن قيام
الدولة الفلسطينية الحقيقية لا يمكن أن يتم عبر هيئة
دولية خاضعة لنفوذ دولة متجبرة متغطرسة لا تعترف بحقوق
الشعوب وسيادته واستقلاله والتي تدعم الكيان الصهيوني
وبكل أسباب وجوده واستمراره في الاحتلال والاغتصاب
والقتل. بل أن طريق الوحدة الوطنية الفلسطينية والنضال
والمقاومة هو الذي يوصل شعبنا العربي الفلسطيني إلى
حقوقه ودولته.
عمان 17/9/2011
Email:fuad@abpparty.org
|