الإصلاح ضرورة وطنية
يوحي مصطلح الإصلاح بالضرورة إلى وجود قوانين في
الحياة العامة تستدعي المطالبة بالإصلاح لأنها متناقضة
معه وبالتالي تأتي المناداة به من اجل تجاوز هذه
الحالة غير الطبيعية والسليمة سياسيا واقتصاديا
واجتماعيا والانتقال إلى حالة طبيعية مقبولة ومطلوبة
يحتاجها المجتمع حاضرا ومستقبلا، كما يشكل الإصلاح
معالجة موضوعية للعلاقة بين النظام السياسي والمجتمع
بمعنى تطوير النظام من اجل مصلحة الشعب وهذا يكون ضمن
اعتراف النظام بأن الشعب هو مصدر السلطات، كما يأتي
مفهوم الإصلاح ضمن التوجه نحو البناء والتطوير والنهوض
والتطلع الدائم إلى حاضر ومستقبل أفضل لحياة الإنسان
وعليه فإن الدعوة للإصلاح تعني بالضرورة الحفاظ على
امن المواطن واستقراره عبر حصوله على حقوقه المشروعة
في الحياة الحرة الكريمة.
وإذا ما توقفنا عند بلدنا الأردن نرى انه يمر بمرحلة
صعبة تتطلب العمل المخلص والبناء من اجل إخراجه من هذه
المرحلة دون تعريضه إلى أزمات وهزات ، يتم هذا الخروج
عبر التوجه الجدي نحو الإصلاح الشامل، لان غيابه عن
المجالات السياسية والاقتصادية والاجتماعية والدستورية
وعن مكافحة الفساد المالي والإداري قد أوصل الوطن إلى
تراكم أزمات واحتقانات غير مسبوقة ومن الطبيعي أن
يتركز الجهد نحو تحقيق الإصلاح في ظل هذه الأوضاع
الصعبة، إصلاح يتعلق بالحريات العامة وبخاصة حرية
التعبير التي هي حق للمواطن كفله الدستور مما يرتب على
السلطة بكل مكوناتها احترام هذا الحق، إصلاح ديمقراطي
وهذا يتطلب إصدار وتشريع القوانين الناظمة لها تتمثل
في وضع قانون انتخاب ديمقراطي يمكن المواطن من اختيار
من يمثله فعلا في السلطة التشريعية المعنية بتشريع
القوانين التي تضع المسار الصحيح لحياته مثلما تقوم
بدور الرقابة على السلطة التنفيذية لتطبيق هذه
التشريعات والقوانين تطبيقا سليما، ومحاسبتها على هذا
الأساس قانون أحزاب يتيح للمواطن الانخراط في الحياة
الحزبية التي تشكل القاعدة الأساسية للحياة
الديمقراطية دون خوف أو وجل من تبعات هذا الانخراط ،
قانون إعلام يحترم حرية الصحافة ووسائل الإعلام
الأخرى، تعديلات دستورية تزيل التشوهات التي لحقت
بالدستور الأردني عبر عشرات السنوات مع إدخال إضافات
تجعل منه دستورا ديمقراطيا متطورا، أي أن الإصلاح بهذا
المعنى والمفهوم يرتبط ارتباطا وثيقا بالتحديث
والتطوير الذي يحتاجه المجتمع، ويشكل مدخلا أمنا
لتحقيق مصالح الشعب ويوفر له الحياة والاستقرار
المطلوب، فالإصلاح يفرض نفسه يوما بعد أخر كضرورة
باعتباره من أهم المرتكزات الإستراتيجية الوطنية
للبناء والنهوض والتطلع الدائم إلى مستقبل أفضل
للمجتمع، وعندما نؤكد على ضرورة الإصلاح كحاجة أساسية
فإننا نرى أن النهج العام للحكومات ومسار هذا النهج
بجوانبه السياسية والاجتماعية والاقتصادية والمعيشية
لا يلبي متطلبات المجتمع من جهة ولان الإصلاح هو
السبيل لعلاج الأزمات التي تواجه الوطن وطريق الخروج
من الأزمات وحفظ الأمن والاستقرار للوطن والمواطن من
جهة أخرى، كما نحتاج إليه لبناء العلاقة السليمة
والصحيحة في النظام السياسي بين السلطة التنفيذية
وجموع المواطنين بما يحقق مصلحة وطنية للجميع وهذا
يحتاج إلى منظومة متكاملة من التشريعات والقوانين
الديمقراطية، تنقل البلد نقلة نهضوية نوعية شاملة هو
بأمس الحاجة إليها.
طبعا نعترف بأن عملية الإصلاح لا تأتي بمجرد الدعوة
إليها ورفع الشعارات المطالبة بها بل تحتاج إلى نضال
شاق ومتواصل لمواجهة الفئات التي ترى أن الإصلاح يهدد
مصالحها الذاتية وهنا لا بد من تشكيل القاعدة
الجماهيرية الصلبة المؤمنة بالإصلاح والتي تعمل من اجل
هذا الإصلاح والنهوض عبر عمل جماعي قائم على الوعي
والإدراك بأن أول شروط نجاح هذا العمل يتطلب وضع الأسس
والرؤية الشاملة التي تحدد ملامحه الكبرى وتعطيه آفاقه
المتمثلة في مجابهة الأخطار الاجتماعية التي توقع
الأضرار الفادحة بالشعب والوطن ويأتي في مقدمتها آفة
الفساد المالي والإداري.
كما يجب أن يتم وضع برامج عمل تبلور رؤى إستراتيجية
يتم تحديدها وفقا لأولويات لها مساس بمختلف مناحي
الحياة وان تكون هذه البرامج نتيجة دراسات معمقة
للواقع الذي نعيشه بكل جوانبه حتى نتمكن من وضع
العناصر والأسس الضرورية واللازمة للإصلاح ويأتي في
مقدمتها التأكيد على الإقرار بأهمية الديمقراطية
والتعددية والتركيز على الإصلاحات السياسية
والاقتصادية المستندة إلى تنمية والى تحقيق عدالة
اجتماعية مثلما يتطلب الإصلاح أيضا إصلاحات تربوية
ونهوض علمي متطور يرتقي بالمجتمع ويجعله قادرا على
مواكبة التطورات العلمية والتكنولوجية في العالم بما
يمكنه من صنعها وليس استخدامها فقط، وبالتأكيد تتطلب
عملية الإصلاح والتغيير والنهوض المنشودة إلى وضع خطط
وبرامج مثلما تحتاج إلى انخراط قوى المجتمع ومؤسساته
المؤمنة بعملية الإصلاح وعمادها الأهم هو المواطن الذي
هو المكون الأساسي في مجموعة الأحزاب والتنظيمات
الشعبية التي تشكل الأداة الأقوى لمواجهة الصعوبات
والعقبات ومخططات القوى المضادة المتضررة من عملية
الإصلاح، ولكن تبقى إرادة الشعب وعزيمته هي الأقوى
والأقدر على تجاوز هذه العقبات والمصاعب وصولا إلى
تحقيق أهدافها في حياة حرة كريمة، كما يمكننا القول
بأن الإصلاح وفي المجالات كافة يشكل ضمانة أساسية
لاستمرار النظام وفي توفير الأمن والاستقرار للوطن
والمواطن كما يشكل الوسيلة الضرورية لإعادة بناء
المؤسسات ووضع آليات عملها وهنا فإننا نؤكد على حقيقة
مضمونها أن سلطة الشعب هي الثابت في النظام وما عدا
ذلك يدخل في عداد المتغيرات والتي يجب أن توضع في خدمة
الثابت.
عمان 24/10/2011
|