جامعة الدول العربية بين التجميع
والتفريق
جاء تأسيس جامعة الدول العربية برغبة من بريطانيا
الدولة الاستعمارية التي عملت مع الدولة الاستعمارية
الأخرى فرنسا على تجزئة الوطن العربي عبر الاتفاقية
المعروفة باتفاقية "سايكس بيكو، حيث صرح وزير خارجيتها
انطوني ايدن في التاسع والعشرين من شهر أيار عام 1941م
بأن حكومته لا تمانع قيام أي مشروع اتحادي عربي، ثم
عاد وأكد على هذه الرغبة والتوجه في مجلس العموم
البريطاني في الرابع والعشرين من شهر شباط عام 1943،
وتأسست جامعة الدول العربية في الثاني والعشرين من شهر
آذار عام 1945م ولنا أن نتساءل، هل كانت بريطانيا
حريصة على مصالح العرب ووحدتهم أو اتحادهم وهي الدولة
الاستعمارية التي ارتكبت جريمة قيام الكيان الصهيوني
فوق ارض فلسطين العربية؟ هذا من جهة ومن الجهة الأخرى
"العربية" حيث سبق قيام الجامعة مشاورات تمهيدية تم
الاختلاف فيها بين الدول العربية التي أسست الجامعة
وهي مصر، سورية الأردن، السعودية، لبنان، اليمن،
العراق على التسمية والهدف من إنشاء الجامعة، تمحور
حول هل هي جامعة وحدة وتوحيد وتجميع مما يعني بتسمية
هذه المنظمة "الاتحاد العربي" أو " الاتحاد الفيدرالي"
أو الكونفدرالي؟ كما تم اقتراح تسميتها بالجامعة
العربية وقد تم رفض كل هذه التسميات كونها ترمز إلى
العمل العربي الوحدوي وأخيرا استقرت التسمية على
"جامعة الدول العربية".
والفرق واضح بين التسميتين، بمعنى النأي وبشكل فعلي عن
تجميع الدول العربية التي ولدت من رحم اتفاقية سايكس
بيكو والإبقاء على التفرد والقطرية وتكريس الخاص على
حساب العام، وكان هذا واضحا منذ البداية، مما جعل
الجامعة غير قادرة على تحقيق طموحات الشعب العربي في
الأقطار العربية، حيث مثلت جامعة الدول العربية عقبة
امام توحيد الأمة والإبقاء على الفرقة والتجزئة بدلا
من العمل العربي المشترك الذي يخدم مصالح الأمة
العربية. وبقيت مسيرة الجامعة تسير بالدول الأعضاء نحو
القطرية والأنانية والمصالح الضيقة وإذا ما انتقلنا
إلى واقع الجامعة العربية اليوم ودورها فهل نراه مع
التجميع والتوحيد أم مع التفريق وتأجيج الصراعات
واستدعاء الأجنبي للقضاء على أقطار عربية تعاند هذه
المسيرة عبر رفضها التبعية للدول الامبريالية
والاستعمارية والصهيونية وكيانها الغاصب؟
إلا نشاهد الصراع بين تيار قومي توحيدي يسعى إلى
التنسيق والتكامل بين الأقطار العربية وصولا إلى شكل
من أشكال التوحد يخدم الأمة ويجعلها قادرة على مواجهة
الأعداء الطامعين بأرضها وثرواتها، وتيار قطري يعمل
جاهدا من اجل ترسيخ التجزئة ولا يلتزم إلا بمصالحه على
حساب المصالح القومية العربية بل يحق لنا أن نقول أكثر
من ذلك بأن هذا التيار قد عمل على إدخال الجامعة طرفا
في أزمات تواجه أقطارا عربية بل طرفا في استدعاء
الأجنبي كما أسلفنا لتدمير أقطار عربية مثلما حصل في
العراق وليبيا عبر التمهيد لقرار مجلس الأمن الدولي
رقم 1973 الذي سمح لدول حلف الناتو بقتل عشرات الآلاف
من أبناء الشعب العربي وتقسيمه وإشاعة الفوضى وفقدان
الأمن وزعزعة الاستقرار فيه وجعله ساحة صراعات مثلما
جعل ثروات هذا البلد نهبا للدول الأجنبية التي ارتكبت
المجازر بحق الشعب وألحقت به الدمار والخراب علما بأن
هذا الأجنبي هو صانع التجزئة والذي استعمر الوطن
العربي لعدة عقود.؟
ثم جاء الدور على سورية خاصة بعد فشل الدول
الاستعمارية المعادية للأمة العربية باستصدار قرار من
مجلس الأمن الدولي للتدخل في هذا القطر العربي وإلحاقه
قتلا وتدميرا بالمصير الذي واجهته ليبيا ومن قبلها
العراق وذلك لمعاقبته على مواقفه الوطنية والقومية
وتصديه للمشروعات الأمريكية والصهيونية التي تستهدف
الأمة وتقديمه الدعم والعون والإسناد للمقاومة التي
تواجه العدوان الأمريكي والصهيوني. وإلا كيف نفهم
الاجتماعات والتحركات المحمومة لهذه الجامعة؟ وكيف
نفهم القرارات المتلاحقة التي تهدف إلى محاصرة سورية
وتطويقها وإضعافها مما يخدم العدو الصهيوني قبل غيره؟
ثم كيف نفهم قرار الجامعة الأخير الذي جاء ليعبر عن
التدخل الفاضح في استهداف سيادة الدولة السورية والذي
مثل خروجا فظا وفاضحا على ميثاق جامعة الدول العربية
وبخاصة مخالفته لما ورد في ديباجة الميثاق الذي يؤكد
على العلاقات والروابط الوثيقة بين أقطار الأمة
العربية ودعم هذه الروابط الوثيقة وتوطيدها على أساس
احترام استقلال هذه الأقطار وسيادتها والعمل على ما
فيه خير لها وليس تدمير هذه العلاقات وتخريب امن
الأقطار العربية نزولا عند رغبة أعداء الأمة ولصالحهم
مثلما هو حاصل بالفعل ضد سورية هذه الأيام؟
كما شكل هذا القرار خروجا على المادة الثامنة من ميثاق
الجامعة والذي ينص على: تحترم كل دولة من الدول
الأعضاء المشتركة في الجامعة نظام الحكم القائم في دول
الجامعة الأخرى وتعتبره حقا من حقوق تلك الدول وتتعهد
بأن لا تقوم بعمل يرمي إلى تغيير النظام فيها. إلا
تشكل الدعوة إلى تنازل الرئيس بشار الأسد عن صلاحياته
إلى نائبه خروجا فاضحا على هذا النص؟ ثم هل احترمت دول
مجلس الجامعة التي اتخذت مثل هذا القرار المشين بحقها
التعهد بأن لا تقوم بأي عمل يهدف إلى تغيير النظام؟
ونتساءل لمصلحة من تجهد هذه الدول لإسقاط سورية وشطب
دورها السياسي المؤثر في المنطقة؟ ولمصلحة من تقوم بعض
الأطراف العربية بتدريب وتسليح وتحريض عصابات إرهابية
تمارس أبشع أنواع القتل والتمثيل بجثث المواطنين
السوريين من مدنيين وعسكريين؟ ثم لمصلحة من تقوم هذه
العصابات الإجرامية بتدمير المؤسسات العامة والخاصة
وتخريب الجسور والسكك الحديدية وتفجير محطات الكهرباء
وأنابيب النفط والغاز في محاولة لتدمير الاقتصاد
السوري؟ إلا تخدم كل هذه الأعمال الكيان الصهيوني وفقا
لما صرح به أيهود باراك وزير الحرب الصهيوني؟ وبصراحة
ووفقا للواقع والحقائق ولسلوك الجامعة وقراراتها
نستطيع القول بأن هناك خللا كبيرا قد أصابها مما جعلها
تتحول إلى أداة تخدم أعداء الأمة العربية ولعلنا نذكر
بأن الجامعة قد حشرت في ادراجها المظلمة كل ما فيه
مصلحة للعرب من معاهدة الدفاع العربي المشترك إلى
السوق العربية المشتركة واتفاقية الوحدة الاقتصادية
العربية وما إلى ذلك من مشاريع وانتهجت سياسات تخدم
مصالح الأعداء وأصبح دورها قائم على التدمير لا
التعمير، على التفريق لا التجميع، واستهداف الدولة
العربية السورية التي لا تزال مؤمنة بعروبتها وقوميتها
والعمل الفعال في مواجهة المشاريع والمخططات والعدوان
الأمريكي – الصهيوني كما انها تحرص كل الحرص على
المصالح القومية العربية العليا حيث تعتبر هذا الحرص
القومي نهجا ثابتا في سياستها العربية رغم ما لحق
ويلحق بها من ظلم لا يحول بينها وبين التمسك المخلص
بمصالح هذه الأمة والتصدي لأعدائها وستبقى سورية مهما
اشتدت عليها الخطوب تدافع عن قضايا الأمة وتناضل من
اجل تحقيق أهدافها في تحرير الأرض واستعادة حقوقها
الوطنية المغتصبة والحقوق القومية للأمة وخاصة الحقوق
الوطنية الثابتة والتاريخية للشعب العربي الفلسطيني
كما انها ستواصل السير على طريق التقدم وتحقيق أماني
الجماهير العربية في كل أقطار الوطن العربي الكبير في
الوحدة والعزة والكرامة والتمسك باستقلال قرارها
الوطني والقومي المستقل.
عمان 29/1/2012
Email:fuad@abpparty.org
|