غول اسمه الفساد
ظاهرة الفساد ليست حديثة العهد بل وجدت مع ظهور الحياة
البشرية على الأرض وقد تطورت هذه الظاهرة مع تطور
الحياة الاجتماعية والاقتصادية والنظم الليبرالية
والبيروقراطية والعولمة الاقتصادية حيث ارتفعت وتيرتها
وزادت مخاطرها على الشعوب وأصبحت تشكل تحديات خطيرة
تواجهها المجتمعات وخاصة في ظل تغول النظام الرأسمالي،
وتعاظم دور الشركات الرأسمالية ونفوذها. ونظرا لما
لهذه الظاهرة من تأثيرات سلبية على الأوضاع الاقتصادية
والاجتماعية والأخلاقية على المجتمعات وذلك عبر
تشكيلها تهديدا خطيرا لهذه المجتمعات ونظرا لتأثيرها
على التنمية بكل أشكالها ولأنها تستنزف الثروات
الوطنية وتلقي بظلال سوداء على المؤسسات العامة وعلى
القيم الاجتماعية وبالتالي المنظومة الأخلاقية للمجتمع
التي تشكل العنصر الأهم في الحفاظ على أمنه الاجتماعي
والاقتصادي ومسار حياته وبخاصة المعيشية منها، نظرا
لهذا كله فقد اهتمت المؤسسات والهيئات والمنظمات
المعنية بالحفاظ على امن الوطن والمواطن وفي المقدمة
منها الأحزاب السياسية بحيث أصبحت تضع قضية مكافحة
الفساد بكل أشكاله وبخاصة المالي والإداري في صلب
برامجها واهتماماتها مثلما أصبحت تتابع بؤر الفساد
لتعريتها وفضحها وكشفها للجمهور وبخاصة الفساد الذي
تمارسه فئات أو أشخاص في السلطة للكسب غير المشروع على
حساب جموع الشعب ويتم التركيز في هذا الاهتمام على
الذين هم في الوظائف العامة والذين يستغلون الوظيفة
للحصول على المال الحرام سواء أكان ذلك عبر تلقي
الرشوة أو السرقة أو النهب أو عبر استغلال هؤلاء
مواقعهم لإسناد منصب لأحد محاسيبهم الذين يرتبطون معه
بعلاقات القربى أو علاقات خاصة من نوع ما. بما يعني
احتلال مواقع عامة دون وجه حق وبشكل غير قانوني وهناك
أنواع من الفساد الأخرى التي تطال مؤسسات كبرى في
الدولة والشركات والمؤسسات التابعة لها وخاصة تلك التي
لها علاقة بالصفقات وعقود الائتمان والتصدير للخارج
حيث يتمثل الفساد في الحصول على نسب معينة من العمولة
أو رشوات وكل ذلك على حساب المال العام الذي هو ملك
للشعب، ومن هذه الأنواع أيضا عدم تنفيذ المشروعات
العامة بالمواصفات المطلوبة مما يجعلها عرضة لسرعة
العطب وتسبب خسائر باهظة طبعا يتم ذلك من اجل جني
المال المتحصل من الغش في المواصفات ومنها أيضا عدم
تحقيق دفع الضرائب بشكل عادل وبالمساواة دون المحاباة.
هذا إضافة لأشكال أخرى من الفساد، مثل التلاعب
بالأسعار والابتزاز وقضية تبيض الأموال.
ولظاهرة الفساد أسباب كثيرة، منها الاقتصادية
والأخلاقية والسياسية والتربوية وضعف أو إهمال أو حتى
مشاركة بعض المؤسسات الرقابية، لكل هذه الأسباب فإن
الفساد غول يفترس الوطن والمواطن في مسار حياته مما
يتطلب ضرورة التوجه الجاد والمخلص من الجميع وبذل
الجهود لمكافحته سواء أكان ذلك عبر الدولة حتى تتطهر
من الفساد أو عبر المؤسسات الأهلية ويأتي النضال من
اجل بناء الدولة الديمقراطية في سلم أولويات القضاء
على هذه الظاهرة أو الحد منها ذلك لان الفساد يرتبط
ارتباطا وثيقا بالدولة البيروقراطية حيث يتحول إلى
ظاهرة تتصاعد وتترسخ بينما تتضاءل هذه الظاهرة وتتراجع
في ظل الدولة الديمقراطية التي تعتمد الرقابة
والمحاسبة عبر هيئات تتصف بالنزاهة والمصداقية والحرص
على الوطن والمواطن وعندما نؤكد على الدولة
الديمقراطية فذلك لان الشعب يكون فيها مصدر السلطات
ويختار المؤسسات الرقابية التي تمثله وبخاصة السلطة
التشريعية التي من مهامها متابعة أعمال السلطة
التنفيذية وسائر مؤسسات الدولة التي يجب أن تعمل لخدمة
الشعب والوطن وإذا ما توقفنا امام المشاهد التي نراها
في بلدنا الأردن نجد بكل أسف المؤسسات والشركات وخاصة
تلك التي تحولت من القطاع العام إلى الخاص قد ابتليت
بالفساد، ونشاهد أيضا غياب المحاسبة الحقيقية للفاسدين
الذين اثروا على حساب قوت الشعب وتلاعبوا بأمنه
الاجتماعي دون حسيب أو رقيب.
عمان 12/3/2012
Email:fuad@abpparty.org
|