استهداف الهوية العربية
ما زالت التحديات التي واجهت، وتواجه، امتنا العربية
تهدد وجودها القومي وهويتها العربية، وقد تجلت مواجهة
العرب لتلك التحديات في صور كثيرة رغم شراستها
ومخاطرها وأخطارها وأدواتها العسكرية والمادية
والاقتصادية وما ألحقته بالأمة من خسائر فادحة غير أن
امتنا قد تصدت لكل هذه التحديات والهجمات وما زالت
قادرة على المواجهة ورد مؤامرات أعداء الأمة ومشاريعهم
ومخططاتهم رغم سعيهم بكل الوسائل وبذلهم الجهود
المكثفة للنيل من الأمة والعمل على إعادة صياغة
جغرافية الوطن العربي وطمس هوية الأمة وفصلها عن
سياقها التاريخي عبر خلق المشكلات لها وقد تمثلت اكبر
مشكلة صنعها أعداء الأمة الاستعماريون للإجهاز على
هويتها القومية ووحدتها في تجزئتها عبر ما يسمى بخطة
سايس –بيكو وهذا مهد لهم الطريق لزرع الكيان الصهيوني
في ارض فلسطين العربية حيث شكل هذا الكيان الاستعماري
الاستيطاني الاحلالي خنجرا مسموما في جسد الأمة والوطن
العربي عبر فصله شرقه عن غربه كما أصبح وجود هذا
الكيان الغاصب تحديا كبيرا وعائقا أساسيا يحول دون
وحدة العرب وامتلاكهم لقوتهم بل استنزف، ولا يزال،
يستنزف طاقاتهم المادية والبشرية والاقتصادية ويعمق
الفرقة بينهم ويضعهم امام إشكالية كبرى غير مسبوقة في
تاريخهم نظرا لطبيعة هذا الكيان الذي يضم مجموعات
بشرية معادية وافدة من عديد دول العالم ومدعوم من قوى
أجنبية كبرى معادية للأمة العربية ووحدتها وتطلعاتها
ومنعها من التحكم بثرواتها وامتلاكها لقرارها السيادي
الوطني والقومي المستقل.
هذا إضافة إلى إشكاليات ومشاكل أخرى تواجه العرب تتمثل
في اقتطاع أجزاء من الوطن العربي في العديد من أقطاره
وبخاصة سورية والعراق ولبنان والسودان وغيرها كما
تواجه امتنا العربية أيضا إشكالية كبرى تتمثل في
الدولة القطرية والحدود السياسية تفصل بين أقطار الوطن
العربي وهي من صنع الاستعمار الغربي الذي بسط نفوذه
على الوطن العربي لسنوات طويلة اوجد خلالها كيانات
قطرية وخلق ثقافة قطرية بدلا من الثقافة القومية أدت
إلى نزاعات بين أقطار الوطن كما زرع ثقافات من شأنها
تفتيت المجتمع الواحد على أسس عرقية وطائفية ومذهبية
متناقضة الهوية العربية والتوجهات القومية العربية
الوحدوية وبعيدة عن الواقع التاريخي للأمة مثلما عمل
على نهب ثروة الأمة النفطية منها بخاصة وعمل على
توظيفها ضد مصالح الأمة ووضعها في خدمة أهدافه
ومخططاته ومشاريعه لا بل في خدمة المشروع الصهيوني
الذي يستهدف الأمة في أرضها واستقلالها وسيادتها وقد
تجسد هذا الأمر في العديد من المشكلات التي واجهت
الأمة وبخاصة ما تواجهه سورية العربية منذ الخامس عشر
من آذار عام 2011 وحتى الآن حيث يتم توظيف مئات
الملايين من دولارات هذه الثروة للإجهاز على دور سورية
السياسي وضرب الوحدة الوطنية فيها بل ضرب كل مقومات
القوة فيها خدمة لأمن الكيان الصهيوني ولتمرير
المخططات والمشاريع الأمريكية الاستعمارية الغربية
الطامعة في ثروات الوطن العربي ولكن ورغم ما واجهته
الأمة، وتواجهه، من تحديات وعدوان وأخطار فإننا نؤكد
على حقيقة تتمثل في أن الهوية العربية والوحدة القومية
العربية فوق ارض الوطن العربي تقوم على أسس ثابتة
وصلبة ومتينة يأتي على رأسها وجود الأمة التاريخي
وامتلاك جماهير الأمة للإرادة والوعي لضرورة وحدة
الأمة والنضال من اجل تحقيقها رغم كل الصعوبات
والتحديات ومخططات الأعداء ومن يدور في فلكهم من أصحاب
المصالح الذاتية الضيقة للبعض القليل من العرب، ورغم
الانتكاسات التي أصابت الأمة بفعل القوى الامبريالية
والصهيونية ومعها كل القوى المعادية للأمة وتطلعاتها
المتمثلة في تحقيق الوحدة والحرية والاشتراكية وكذلك
بفعل العمل على ابعاد الطاقات العربية عن المشاركة في
العمل القومي ومواجهة الأعداء وتوظيف بعض هذه الطاقات،
كما أسلفنا، لخدمة أعداء الأمة والانحراف نحو خلق عدو
بديل من العدو الحقيقي للأمة العربية ممثلا بالعدو
الصهيوني والشركاء من الامبرياليين الأمريكيين
والاستعمار الغربي وقد تجسد هذا الانحراف بشكل عملي
عبر الدفع باتجاه جعل جمهورية إيران الإسلامية الداعمة
لقضايا العرب وبالأخص قضيتهم المركزية، قضية فلسطين،
والصراع مع العدو الصهيوني وكيانه الغاصب، كما تجسد
هذا الانحراف أيضا في خلق ما تواجهه سورية العربية
بسبب مقاومتها وتوجهاتها السياسية والفكرية التي تعبر
عن الوعي التاريخي والضروري لمستقبل الأمة المتمثل في
التمسك بوحدة الأمة وهويتها العربية مثلما تتمسك
بحقوقها الوطنية وحقوق الأمة العربية القومية وتدافع
عن هذه الحقوق في مواجهة أعداء الأمة بكل إمكاناتها
وقدراتها مما جعلها تتعرض إلى حرب عدوانية كونية دموية
بشعة متعددة الأطراف بما فيها أطراف عربية وإقليمية
فقدت هويتها العربية والإسلامية وضلت الطريق عبر
تبعيتها للسياسات الأمريكية المعادية لامتنا واضحة
المعالم والأهداف والأطراف الضالعة فيها حيث انها تهدف
إلى شطب دور سورية الوطني والقومي والى ضرب وحدة الأرض
والدولة السورية وإنهاء دورها الوطني والقومي المقاوم
والداعم للمقاومة التي تواجه المشاريع والمخططات
المعادية لكل أقطار الأمة من الشرق إلى الغرب ومن
الشمال إلى الجنوب.
نعود لنؤكد بأن الأمة قد مرت بالعديد من الكوارث
والنكبات وتعرضت للعديد من الحروب والاعتداءات
والعدوان عبر العصور حيث لم تتعرض لها أي امة في هذا
العالم مثلما تعرضت أيضا لصراعات داخلية مؤسفة ومؤلمة
لكنها صمدت وقاومت وما تزال تواجه وتصمد وتقاوم وستخرج
من أزماتها الحالية مثلما خرجت من قبل، وهذا ما يجعلنا
نثق بأن سورية العربية الصامدة المقاومة المتمسكة
بالهوية القومية للأمة سوف تخرج من هذه الأزمة
الصعبة التي تواجهها ببسالة وصلابة وبكل قوة واقتدار
بمعنى أن الأمة أيضا ستخرج من هذه الأزمة مثلما خرجت
من قبل ذلك لان ما تواجهه سورية تتأثر به الأمة في كل
أقطارها حتى تلك الأقطار الضالعة أنظمة الحكم فيها
في المخططات التي تستهدف سورية وعندما نؤكد على خروج
سورية من هذه المحنة إنما نعتمد على الإنسان العربي في
سورية ومستوى إيمانه بوطنه وأمته ومستقبله مما يجعله
يقاوم ببسالة وشجاعة وصبر ، يتحمل المتاعب والمصاعب
والخسائر المادية والبشرية التي تنزلها به العصابات
الإرهابية المدعومة من أعداء سورية، وأعداء الأمة
العربية.
نعم ستخرج سورية ومعها الأمة وستنهض ومعها الأمة
وستبقى هوية الأمة العربية وراياتها القومية خفاقة في
سماء الوطن العربي من أقصاه إلى أقصاه. لان سورية
ومعها جماهير امتنا المخلصة الواعية تدرك الرؤية
الكاملة للنهوض العربي عبر المقاومة، مقاومة مشاريع
الأعداء وبخاصة المشروع الصهيوني – الأمريكي وعبر
إقرار الديمقراطية والتعددية والحرية المسؤولة
والتركيز على التنمية الاقتصادية والاجتماعية وبناء
الموقف العربي الواحد القائم على مواجهة أعداء الأمة
من الخارج وحتى من الداخل كما أن ثقتنا بالمستقبل رغم
ما تشهده امتنا من واقع اليم يعتمد أيضا على شعور
السواد الأعظم من جماهير امتنا العربية بالخطر الذي
تمثله القوى المعادية وان هذا الخطر لا يقتصر على
سورية بل يهدد جميع أقطار الأمة مما يرتب على هذه
الجماهير التصدي للأخطار والانتصار الحتمي عليها
اعتمادا على إيمانها بنفسها وقدراتها .
عمان 3/9/2012
Email:fuad@abpparty.org
|