تشكل القضية الفلسطينية، القضية المركزية للعرب ومحور نضالهم، وتلقي بتأثيراتها على الوضع العربي وتحديد مسار مستقبله، وعلى المنطقة وعلى العالم ومصالحه في هذه المنطقة الحيوية والهامة، ويظل الصراع العربي – الصهيوني القضية الاساسية التي تذكي المشاعر القومية والدينية للامتين العربية والاسلامية، مما يجعلنا نتوقف عندها لتحديد معالم الصراع وابعاده الأيديولوجية، والاقتصادية والسياسية والعسكرية والحضارية والثقافية، وان فهمنا لهذه الابعاد على حقيقتها يحدد معالم ادارة الصراع مع الحركة الصهيونية وكيانها الغاصب ومسانديه وداعميه وبخاصة الادارات الامريكية.
لقد بدأت ملامح المشروع الصهيوني تظهر في النصف الثاني من القرن التاسع عشر واتضحت معالمه وتبلورت بصيغته النهائية في المؤتمر الصهيوني الاول الذي تم عقده في التاسع والعشرين من آب عام 1897م، في مدينة بال السويسرية حيث قرر المؤتمر اقامة “دولة اليهود” على ارض فلسطين العربية، استنادا الى مزاعم توراتية باطلة في المرحلة الاولى واستخدام هذه “الدولة” قاعدة انطلاق للتوسع وتحقيق الحلم الصهيوني بإقامة “دولة اسرائيل الكبرى” من الفرات الى النيل، او “دولة ” اسرائيل العظمى” بمعنى السيطرة على المنطقة اقتصاديا وسياسيا وثقافياً ونهب ثرواتها المائية والنفطية في ظل مشاريع امريكية – صهيونية ما زالت تطرح، كالشرق الاوسط الجديد وصفقة القرن والتطبيع العربي مع العدو الصهيوني.
تضمنت استراتيجية العدو الصهيوني ومسانديه ما يلي
- اقامة “دولة اسرائيل” في فلسطين وبعدها الاردن ان أمكن.
- تهجير الفلسطينيين العرب.
- السيطرة على الشرق الاوسط بكامله والامساك بزمام اقتصاده.
وهكذا، وفي الخامس عشر من ايار عام 1948م وبمساعدة حكومة الانتداب البريطاني وقوى دولية اخرى تم الاعلان عن قيام “اسرائيل” وسارعت الدول الكبرى، الولايات المتحدة الامريكية وروسيا، للاعتراف بهذا الكيان الغاصب لأرض شعب فلسطين. وكان النظام التركي اول دولة اسلامية تعترف بهذا الكيان.
وبدأت منذ ذلك الوقت مرحلة تثبيت الكيان الصهيوني عبر اجراءات تمثلت بطرد المواطنين الفلسطينيين من ارضهم ومدنهم وقراهم باستخدام اقسى وابشع اساليب القوة وتأمين متطلبات القوة العسكرية والاقتصادية والسكانية لهذا الكيان، عبر الدعم المالي الخارجي واستقدام اليهود من شتى بقاع الارض والحاقهم في جيش تم تجميعه من منظمات الارهاب الصهيونية التي قاتلت الفلسطينيين في مرحلة التحضير لإقامة الكيان الصهيوني، واخذت تطور قواتها العسكرية ليصبح الصهاينة في الكيان جميعا كتلة بشرية عسكرية لحمايته ومن ثم الانطلاق لتنفيذ المشروع الصهيوني التوسعي الاستيطاني الاحلالي. وحقق الصهاينة قفزات كبرى على طريق تحقيق المطامع الصهيونية، وتثبيت الكيان كقوة اقليمية وذراع قوية للإمبريالية العالمية في الوطن العربي، مركز الثروة النفطية والموقع الجغرافي الهام الذي يربط اطراف العالم، وضرب حركة التحرر العربية، للحيلولة دون تحقيق اهدافها القومية والتنموية في المجال الاقتصادي والعلمي، هذا اضافة الى تحقيق هدف آخر سعت، وما تزال تسعى اليه، الحركة الصهيونية وهو اخذ دور ومكانة مؤثرة على الساحة الدولية، والذي بدأ بالظهور بشكل واضح بعد عدوان الخامس من حزيران عام 1967م الذي اسفر عن احتلال كامل اراضي فلسطين واراض في اقطار عربية مجاورة، مصر، سورية، الاردن، وفيما بعد لبنان.
ويمكن ان نلخص أبرز ما اعتمدته الحركة الصهيونية لتحقيق مشروعها الصهيوني بالتالي:
- الاستيلاء على ارض فلسطين بكافة الوسائل، واقامة الكيان الصهيوني فوقها.
- استقدام ملايين اليهود من دول العالم الى هذا الكيان، بعد طرد المواطنين العرب الفلسطينيين، واقامة المستعمرات الاستيطانية فوق ارض فلسطين المحتلة عام 1967م اضافة الى تلك المستعمرات المقامة فوق ارض فلسطين المحتلة قبل عام 1948م.
- تحقيق الاعتراف الدولي بشرعية هذا الكيان ودخولها الى الهيئة الدولية الرئيسية وخاصة هيئة الامم المتحدة.
- الانطلاق من الامر الواقع الناتج عن استخدام القوة، للدخول الى المنطقة بالمفاوضات المباشرة والاتفاقيات والمعاهدات التي تم توقيعها بين الكيان الصهيوني وبعض الاطراف العربية، ومن ثم اقامة علاقات دبلوماسية واقتصادية مع دول عربية اخرى، في خطوة على طريق تحقيق وقف المقاطعة العربية للكيان الصهيوني والانتقال الى تحقيق السيطرة الاقتصادية والسياسية على المنطقة، أي الانتقال من مرحلة الغزو والتوسع الاقليمي جغرافيا، الى الغزو والتوسع والهيمنة اقتصاديا وسياسيا.
ونؤكد على حقائق الصراع مع العدو الصهيوني:
- ان المشروع الصهيوني لا يستهدف فلسطين وحدها بل الامة العربية كلها بغض النظر عن المعاهدات والاتفاقات التي تمت بين الكيان الصهيوني وبعض الحكومات العربية ولن يكون أي قطر عربي بمنأى عن الخطر الصهيوني.
- ان مواجهة المشروع الصهيوني تتطلب مراجعة بنية النظام العربي الراهن، وبناء نظام عربي جديد على اسس جديدة تؤكد على المصلحة القومية والالتزام بها.
- التركيز على الوعي السياسي والقدرة على تحسس الاخطار لدى المواطن العربي وبالتالي تنمية وتوسيع دائرة الحركة الشعبية العربية المناضلة ضد المشروع الصهيوني وسياسات الهيمنة والضغوط الامريكية ومقاومة التطبيع الذي اقامته انظمة عربية مع العدو الصهيوني.
- وحدة الشعب العربي الفلسطيني بكل فصائله واحزابه في مواجهة العدو الصهيوني الغاصب المحتل، ومواجهة ما يسمى بالمشاريع الامريكية- الصهيونية المعادية للشعب العربي الفلسطيني والأمة العربية.
- العمل الجاد والمخلص على توفير متطلبات تحقيق بناء القوة العربية لخلق توازن قوى في المنطقة في المجالات السياسية والعلمية والاقتصادية والدفاعية،
قوة عربية قادرة على مواجهة الكيان الصهيوني واطماعه في إقامة ما يسمى بدولة إسرائيل من الفرات الى النيل، وحدة عربية تقاوم المشروع الصهيوني بضم القدس العربية للكيان الصهيوني، وضم الجولان العربي المحتل أيضا لهذا الكيان، وبالتأكيد ستبقى فلسطين عربية والقدس عربية، والجولان العربي السوري عربياً. والنصر في هذا الصراع لأصحاب الحق الشرعي الشعب العربي الفلسطيني والامة العربية. ونؤكد على ان المقاومة بكل اشكالها وبخاصة العسكرية منها الطريق الموصل لتحرير الارض المحتلة واستعادة الحقوق من عدو استعماري احلالي غاصب.
الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي
فــــــــــــؤاد دبـــــــــــور