تعرضت منطقتنا العربية لغزوة صهيونية شكلت تهديدا خطيرا للمنطقة ولطموحات الجماهير العربية المتمثلة في الاستقلال والتحرر والتقدم الاجتماعي. وقد سعت الصهيونية لتدعيم الاستيطان في فلسطين كمقدمة للاستيلاء عليها وتشريد سكانها العرب بدعم من سلطات الانتداب البريطاني بالإضافة الى ان المخططات الاستعمارية والصهيونية اشتملت على صياغة لكل الخطوات التي تكفل منع الأقطار العربية من تحقيق وحدتها وتقدمها واستغلالها السياسي والاقتصادي.
ومنذ بداية هذه الغزوة بدأ النضال العنيد للشعب العربي الفلسطيني ضد المخاطر المحدقة به، تسانده وتشاركه في ذلك الجماهير العربية التي أدركت خطورة المخططات الصهيونية، مما جعل النضال ذا طابع قومي امتزج فيه “الخاص بالعام” “الوطني الفلسطيني بالقومي العربي”.
وقد تأجج هذا الشعور القومي بفعل الغزو الاستعماري والصهيوني مما سبب ولادة حركة تحرر عربية. تناضل في سبيل الاستقلال وطرد الغزاة، اذ هبت الجماهير العربية للدفاع عن فلسطين، خاصة بعد ان اتضحت ابعاد المؤامرة الاستعمارية الصهيونية بزرع كيان غريب في قلب الوطني العربي. وقد اعطى هذا النضال دلائل ملموسة على عمق الترابط القومي حيث لم تكتف الجماهير العربية بمساندة الانتفاضات الفلسطينية، بل شاركت بشكل فعلي في النضال الى جانب الفلسطينيين وقدمت الشهداء والجرحى والأسرى. وقد استمر هذا الترابط بين النضال القومي العربي والوطني الفلسطيني في مراحل نضالية مختلفة، وأيقنت الجماهير بأن السبيل الوحيد لتحرير المنطقة العربية من الاستعمار والإمبريالية والصهيونية هو الكفاح المشترك ووحدة ورص صفوف كل فصائل حركة التحرر العربية.
عمقت نكبة عام 1948 الترابط بين القومي والوطني الفلسطيني، حيث أدى قيام الكيان الصهيوني الى رفع درجة التحدي الذي يواجه الأمة العربية وقواها التحريرية، لأن طبيعة هذا الكيان يتمثل في انه قوة عدوانية استيطانية توسعية تهدد الأمة العربية كلها وليس شعب فلسطين فقط. كما ان هذا الكيان جسد كونه قاعدة متقدمة لحراسة المصالح والاحتكارات الامبريالية وسلبها لمقدرات وخيرات الوطن العربي.
ومما لا شك فيه ان هناك علاقة جوهرية وموضوعية بين الواقع العربي والقضية الفلسطينية، وان الترابط بين هذه القضية كقضية قومية مركزية ومهام التحرر في الأقطار العربية قد ترسخ كواقع موضوعي، لأنه بفعل تأثير العامل القومي ومن اجل تحرير فلسطين ومجابهة الاستعمار والصهيونية نشأت الكثير من الفصائل التقدمية العربية التي طرحت اهداف التحرر القومي وانتزاع الاستقلال
وقد جاءت هزيمة حزيران عام 1967 لتعميق الترابط بين القطري والقومي، حيث اتضح لكل ذي بصيرة ان مخططات الصهيونية وأطماعها قد شملت كل المنطقة العربية، وخاصة بعد احتلال اجزاء من اراضي اقطار عربية اضافة الى الأراضي الفلسطينية.
وقد جاءت المقاومة الفلسطينية والعربية لتعيد الاعتبار للأمل الوطني الفلسطيني في عملية التحرر والتحرير، هذا العمل الذي تم ادعاء انه كان مغيبا في الماضي بسبب تغليب الجانب القومي على الجانب الوطني (القطري الفلسطيني) حسب رأي بعض فصائل المقاومة، ولتعيد الاعتبار للعامل في الصراع مع العدو، فمهمة تحرير فلسطين فيها دور خاص ومتميز للفلسطيني، ولكنها جزء لا يتجزأ من النضال القومي ضد الامبريالية والصهيونية على طريق انجاز مهام التحرر والتقدم الاجتماعي.
ونحن نود ان نؤكد ان الحجة التي تسوقها بعض الفصائل الفلسطينية بشأن تغليب القومي على الوطني من شأنها ان تظهر وكأن هناك تناقضا بينهما وكأنما القومي ليس الوطني وان مصالحهما مختلفة. وهنا لا بد من التأكيد انه ما دام القومي والوطني يشكلان وحدة موضوعية، فلا مكان لتغليب الواحد منهما على الآخر.
رغم ان بعض القيادات الفلسطينية التي تغالط في غلبة القومي على القطري تريد بالعكس تغليب القطري على القومي، وغلبة التسوية على التحرير وذلك بتحويل التحرير الى مشروع تسوية استسلامية هي فوق المصالح والقضايا القومية.
انهم باسم رفض تغليب القومي على القطري يقدمون على الاعتراف بشرعية الوجود للكيان الصهيوني فوق ارض فلسطين العربية، ويزعم المصلحة الوطنية للشعب العربي الفلسطيني. ان الحل الصحيح لهذه الاشكالية يتمثل في:
- ا مهمة تحرير فلسطين مهمة قومية تقع على عاتق كل العرب مواطنين وأحزابا ودولا وان كل الامكانات العربية يجب ان تسخر لخدمة هذا الهدف بعيداً عن المطبعين مع الكيان الصهيوني.
- ان أي عمل في داخل فلسطين لتحريرها يجب ان ينسجم مع هذا الهدف الكبير حتى يأخذ بعده القومي من اجل ان لا يتحول الى استسلام.
ونخلص من ذلك الى ما يلي:
- فلسطين جزء من الوطن العربي جغرافيا وبشريا وتاريخيا واستراتيجيا ومهمة تحريرها مهمة قومية.
- من واجب ابناء فلسطين العمل على تحريرها باعتبارهم جزءا من قوى المقاومة العربية لا باعتبارهم قوة مستقلة تعمل منفردة.
ومن المؤسف جدا ان بعض فصائل حركة المقاومة الفلسطينية ليست كذلك، ولذا فلا بد من التمسك بالنضال القومي والمقاومة من اجل تحرير فلسطين، ولكن يجب توحيد الصف الفلسطيني على قاعدة المقاومة كطريق لمواجهة العدو الصهيوني وليس التجزئة والفصائلية وتعميق الانقسام.
الامين العام لحزب البعث العربي التقدمي
فـــــــــــــــــــــــؤاد دبــــــــــــــــور