في يوم الثاني والعشرين من شهر شباط عام 1958 تم تحقيق أغلى أهداف وتطلعات الجماهير العربية من خلال إقامة دولة الوحدة من القطرين العربيين المصري والسوري، هذا الهدف الذي طالما ناضلت الجماهير العربية من اجل تحقيقه كي تتمكن من القضاء على عوامل الضعف والتخلف داخل أقطار العروبة وتنهي الأطماع الاستعمارية في أراضيها وثرواتها والمساهمة في اغناء التقدم في العالم والقوة في الوطن العربي ومواجهة العدو الصهيوني.
وقد تجلى فضل عبد الناصر في انه أعاد مصر إلى الصف القومي العربي وعمل على إحياء القومية العربية وقد برز دوره كقائد عربي في المؤتمرات الإفريقية والعالمية مثل مؤتمر الوحدة الإفريقية ومؤتمر باندونج ومؤتمر عدم الانحياز مما خلق ضرورة قومية لإقامة كيان اتحادي أو وحدوي بين مصر العربية وبين سورية العربية التي كان للطلائع القومية التحررية فيها وعلى رأسها حزب البعث العربي الاشتراكي خاصة وأنهما خاضتا معا نضالات مشتركة ضد عدد من المشاريع الاستعمارية وخاصة حلف بغداد (السنتو) ومشروع أيزنهاور والذي استطاع الشعب العربي الذي تصدى ببسالة لهما من إسقاطهما واحدا بعد الأخر.
وبعد سلسلة من الاتفاقات التي كان القطران المصري والسوري طرفين أساسيين فيهما عربيا شملت العسكرية والتربوية والثقافية كان لا بد من تطوير العلاقة بينهما والارتقاء بها إلى شكل وحدوي. وقد تم ذلك اثر زيارة وفد سوري للقاهرة والطلب من المرحوم الرئيس عبد الناصر لإخراج ذلك لحيز التنفيذ وقد استجاب سيادته.
لا شك أن تحقيق الوحدة قد احدث نقلة قومية نوعية من وعي الأمة بذاتها إلى وعي الأمة لذاتها وتحقيق ذلك عمليا من خلال إقامة كيان وحدوي بين قطرين رئيسيين كان يؤمل أن يضم غيرهما وقد كان لإقامة الوحدة أثرها على جماهير الأمة العربية حين رأت أن واحدا من أهدافها يتم تحقيقه واخذ المد القومي يتعاظم مما كان يبشر لمستقبل واعد للعرب لو لم يتم التآمر على هذه الوحدة بعد 3 سنوات من أقامتها (أيلول 1961) من قبل الدول الامبريالية والكيان الصهيوني الذي كانت أقامته أصلا من اجل الحيلولة دون إقامة الوحدة وإجهاض أي مبادرة للنهوض القومي العربي وكذلك من قبل الأنظمة العربية التي كان موقفها الحفاظ على الأوضاع القائمة على الوطن العربي كما كانت في تلك الأيام.
ان النضال من اجل الوحدة هي مهمة كل القوى السياسية الديمقراطية في الوطن العربي ولا تتحقق إلا بفعل جماهيري خلاق مسيس لان الجماهير الشعبية هي صاحبة المصلحة في تحقيقها. كما إننا نؤمن ضرورة أن يستند النضال العربي من اجل الوحدة إلى تعاون كل فصائل حركة التحرر القومي ومع كل أنظمتها وقواها الوطنية التقدمية. ومن اجل أن يتحول النضال الوحدوي إلى تيار جماهير وواقع يومي تعيشه هذه الجماهير وتناضل من اجله فلا بد من إعطائه مضمونا اجتماعيا ومن إيجاد حركة شعبية وإطار يضم كل المؤمنين بالوحدة الحريصين على تحقيقها.
وبهذه المناسبة الخالدة (وحدة 1958) فإن من حق صانعيها علينا أن نذكرهم بكل فخر واعتزاز لأنهم من صانعي تاريخ الأمة سواء كانوا في مواقع قيادية، رسمية أو شعبية والذين نحن الآن بأمس الحاجة إلى أمثالهم لدرء المخاطر المحدقة بالأمة العربية صهيونية كانت ام استعمارية ام امبريالية امريكية ام من انظمة معادية للامة العربية مثل نظام اردوغان الذي يحتل ارضا عربية سورية وتدخل سافر في العراق وليبيا.
الامين العام لحزب البعث العربي التقدمي
فـــــــــــؤاد دبـــــــــــــور