عملت الإدارات الامريكية الى نشر قواعد عسكرية برية وبحرية وجوية على العديد من الدول والبحار تنفيذا لتوجهاتها السياسية والاقتصادية الهادفة الى السيطرة على العالم، وقد استندت في ذلك إلى أوهام القوة وجبروتها مما جعلها تعتقد بأنها سوف تمسك بزمام الأمور في العالم دون منازع وان تصبح صاحبة الولاية عليه بحيث يسير وفق إرادتها ورغباتها ومصالحها وتتصرف به كما تشاء بلا قيود أو حدود وهذا النهج دفعها إلى إغراق نفسها في مشاكل وأزمات كبيرة معقدة ومتعددة وذلك عبر استخدامها المفرط والمجنون لما تملكه من قوة تضرب بها في كل مكان غير عابئة بمصالح الآخرين ولا حتى بحياتهم فتورطت في حروب وتدخلات عسكرية وسياسية في العديد من مناطق العالم وبخاصة في المنطقة المسماة بالشرق الأوسط، وفي أمريكا اللاتينية وجنوب شرق أسيا والقارة الإفريقية، حيث المصالح الاقتصادية والمالية لشركاتها الرأسمالية العابرة للقارات وتحت عنوان مكافحة الإرهاب أقدمت على شن حرب ضد أفغانستان موظفة أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 والتي أصابت مؤسسات في مدينة نيويورك الأمريكية، وقد ألحق احتلالها الى افغانستان دمارا هائلا وكذلك غيرها من الدول، مثلما ألحقت خسائر باهظة بالأرواح وكانت كلفتها المادية باهظة على الولايات المتحدة نفسها وكذلك عسكريا وسياسيا ومعنويا وبشريا حيث فشلت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها العديد من الحلفاء في حلف الناتو في تحقيق النصر في هذه الحرب مما جعلها تبحث عن مخرج يحفظ لها ماء الوجه امام شعبها أولا والعالم ثانيا وتجسد ذلك في انسحابها المذل من افغانستان وإذا ما توقفنا عند دور الولايات المتحدة الأمريكية في منطقتنا وما قامت به في هذه المنطقة وما فعلته ومارسته الإدارات الأمريكية، حيث مارست سياسة فرض السيطرة على المنطقة باستخدام وسائل متعددة يأتي في مقدمتها القوة العسكرية والحروب التي تجسدت في اقدامها على الحرب العدوانية ضد العراق في شهر آذار من عام 2003 أسفرت هذه الحرب عن احتلال هذا القطر العربي ورغم هذا النجاح في الاحتلال والقتل والتدمير فقد فشلت في تحقيق أهدافها ودفعت، ثمنا باهظا بشريا وماديا وسياسيا ونفسيا ومعنويا بسبب المقاومة العراقية الباسلة.
هذا إضافة إلى إقدام الإدارات الأمريكية على التدخل في الشؤون الداخلية للعديد من بلدان المنطقة خدمة للكيان الصهيوني أيضا وقد تمثلت هذه التدخلات بشكل أساسي في لبنان للنيل من سورية والمقاومة الوطنية اللبنانية فكانت القرارات الدولية وفي المقدمة منها القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي المسيطر عليه أمريكيا في شهر أيلول من عام 2004م وما تبع هذا القرار من سياسات واحداث تصب في خدمة نفس الهدف ولما فشلت هذه السياسات أقدمت إدارة الرئيس بوش الابن على حرب عدوانية بالأداة الصهيونية في الثاني عشر من شهر تموز عام 2006م وباءت هذه الحرب أيضا بالفشل حيث لم تحقق أهدافها وخرجت المقاومة الوطنية اللبنانية منتصرة وأضحت أقوى مما كانت عليه بعد هذه الحرب، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة بإداراتها لم تتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ولنفس السبب، امن الكيان الصهيوني ومصالحه، حيث أقدمت في الخامس عشر من آذار عام 2011 على التدخل السافر في الشؤون الداخلية لسورية. لمعاقبتها على سياساتها الوطنية والقومية الرافضة للاشتراطات الأمريكية التي تصب في خدمة الكيان الصهيوني مستخدمة في هذا التدخل أدوات وفئات ضالة وعصابات مأجورة ولكن هذا التدخل أيضا رغم ما الحق من خسائر مادية وبشرية في صفوف الشعب العربي السوري فشل في تحقيق أهدافه نظرا لإدراك الشعب ووعيه لأبعاد المؤامرة التي تستهدفه من خلال تمسكه بوحدته الوطنية مثلما تستهدف السياسة الوطنية والقومية للدولة مما جعله يلتف حول قيادته وجيشه. صمد الشعب وحقق الجيش وقيادته الانتصارات وفشلت القوى المعادية، وسيتم تحرير كل الأرض السورية في وقت قريب. وجاءت ادارة بايدين مؤخرا لخلق محور يضم عدد من الدول العربية حماية لأمن الكيان الصهيوني في مدينة جدة السعودية لكنه لم يحقق اهدافه.
مثلما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في الشؤون الداخلية لإيران وشنت عليها حربا سياسية وإعلامية واقتصادية عبر فرض حصار دولي عليها تحت ذريعة محاولات إيران لامتلاك الطاقة النووية التي تهدد ا من الكيان الصهيوني، ورغم توقيع اتفاقية (5+1) جاءت إدارة ترامب لتسحب توقيعها وتفرض حصارات متجددة على إيران، ولم تتوقف التدخلات الأمريكية في شؤون دول المنطقة، حيث أقامت قواعد عسكرية برية وبحرية وجوية في بعضها لحماية مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني.
هذا إضافة إلى تدخلات في كوريا الشمالية، وأخرى في دول أمريكا اللاتينية ولكنها تفشل هناك أيضا حيث أصبحت هذه الدول بمعظمها تعادي السياسات الأمريكية، مثلما تعاديها كل شعوب العالم التي تحمل الحقد والكراهية لهذه الدولة بسبب ما تلحقه بالبشرية من خسائر بالأرواح والمؤسسات الوطنية إشباعا لأطماعها وجشعها. ولم تتوقف الادارات الامريكية عن خلق الازمات الدولية، حيث اقدمت ادارة الرئيس بايدن على خلق حرب اوكرانيا مع روسيا الاتحادية، حرب القت بظلال قائمة سوداء على مجمل دول العالم سواء ما يتعلق بالغاز والنفط والصناعات المعتمدة عليها ام المواد الغذائية الضرورية لحياة الانسان. وبالأمس القريب جاء دور خلق ازمة مع الصين عبر قيام رئيسة مجلس النواب الامريكي بزيارة تايوان التي تعتبرها الصين جزءا لا يتجزأ من الدولة. مما جعل الصين تتحرك عبر مناورات بحرية وجوية حول تايوان وفي المحيط الهادي ردا على الاستفزاز الامريكي. ان التزامها الدائم بالحفاظ على امن الكيان الصهيوني الغاصب الذي يشرد شعبا ويحتل أرضه ويمارس كل أنواع القتل والدمار في فلسطين والأقطار العربية الأخرى بالأسلحة الأمريكية المتطورة استنادا إلى الحماية السياسية الأمريكية لهذا الكيان والى امداده بكل ما يمكنه من ممارسة الإرهاب بكل أشكاله ضد العرب. وجاءت سياسات الرئيس الامريكي السابق دونالد ترامب العدوانية الأخيرة المتمثلة في الاعتراف بالقدس العربية عاصمة للكيان الغاصب ونقل السفارة الامريكية اليها ووضع مخطط تدميري للقضية الفلسطينية تحت اسم صفقة القرن. وقرار ظالم بضم الجولان العربي السوري المحتل الى الكيان الصهيوني الغاصب.
ونعود لنؤكد على أن الولايات المتحد ة الأمريكية وبسبب هذه السياسات العمياء لم تعد قادرة على إعادة التوازن في سياساتها الخارجية نحو العالم وبسبب أزماتها المالية والاقتصادية والانتكاسات التي أصابتها بسبب حروبها العدوانية ضد الشعوب حيث لم تعد قادرة على تحمل الكلفة المادية والبشرية وبسبب مواقع العداء للشعوب التي وضعت نفسها والعالم فيها.
الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي
فــــــــؤاد دبــــــــــور