أعلن حزب البعث عن قومية أهدافه منذ انطلاقته حيث رفع شعاره الثابت والدائم، “امة عربية واحدة، ذات رسالة خالدة، واعتبر الوحدة العربية الهدف والمبدأ الأساسي مما أعطى الحزب بعده القومي في شعاراته ومبادئه ونضاله، كما جاء دستور الحزب مؤكدا لهذه الحقيقة عبر العديد من مواده حزب البعث العربي الاشتراكي يؤمن بأن العرب امة واحدة لها حقها الطبيعي في دولة واحدة حرة في توجيه مقدراتها والحزب يعالج السياسة القطرية وفقا للمصلحة القومية العليا. البعث حزب عربي شامل انتشرت فروعه في سائر أقطار الوطن العربي مما يؤكد ارتكاز البناء التنظيمي القومي استنادا إلى الإيمان بوحدة الأمة العربية وقد تم تطبيق هذا البناء على ارض الواقع عبر سلسلة المؤتمرات القومية.
حيث عملت هذه المؤتمرات، على ترسيخ مبادئ الحزب وأهدافه وشعاراته وأساليب نضاله عبر متابعة مسيرة منظمات الحزب القومية، بمعنى ان مشروع حزب البعث العربي الاشتراكي مشروع قومي عربي . وقد أكد هذا المفهوم عبر البنية التنظيمية القومية للحزب وهذا ما جعله الحزب الأرقى والأعلى في الوطن العربي مضمونا وفكرا وعقيدة وتعبيرا جادا عن حاجات الجماهير العربية المتطلعة فعليا إلى بناء وحدتها حيث القوة والقدرة على الخروج من حالة التجزئة والتشرذم والضعف التي تعيشها معظم أقطار الوطن العربي.
وعندما نقول بأنه الأرقى ذلك لان البعث حركة نضالية قومية ثابتة على مبادئها وان كانت أساليب العمل تتطور وفقا للظروف ومعطياتها. وكذلك لان البعث ومنذ ولادته قد شكل حدثا قوميا تاريخيا أثرى الفكر القومي العربي وكان، ولا يزال، المشعل الذي أضاء، ويضيء، طريق النضال القومي، كما مثل أيضا طموح الجماهير العربية في تحقيق تطلعاتها في الوحدة والحرية والاشتراكية.
وقد ركز الحزب على الوحدة الوطنية للشعب العربي في سورية باعتبارها القاعدة الصلبة لمواجهة أعداء سورية والأمة العربية كما بنى جيشا عربيا سوريا للتصدي لهؤلاء الأعداء وبخاصة بعد قيام الحركة التصحيحية التي قادها الرفيق الرئيس الخالد حافظ الأسد ، ولم يكتف الحزب استنادا إلى مشروعه في بناء القوة السورية بل عمل على دعم المقاومة العربية لمواجهة الأعداء في فلسطين ولبنان والعراق وفي أي قطر عربي كما أغنى النضال القومي ودعم حركات التحرر العربية وحتى العالمية ووضع القاعدة الأساس للمشروع النهضوي القومي العربي.
لقد أسهم مشروع البعث القومي وبشكل كبير في تفعيل دور الأمة العربية الحضاري والثقافي ووضع الأساس لإنقاذها من تداعيات ما لحق بها من مشاريع الاستعمار التي عملت على تجزئتها وتفكيكها وخلق الصراعات البينية وحتى بين أبناء القطر العربي الواحد.
وعندما يركز البعث في مشروعه على النظرية القومية الاشتراكية فإنه يعبر بذلك عن تجذره في الوعي القومي العربي المتجدد والمتطور مما يدلل على أصالته وعليه فإن مشروع البعث في نظريته القومية يؤكد وجها جديدا عصريا واستجابة واعية للواقع العربي على طريق إنقاذه وتغييره إلى الأفضل، كما أكد المشروع على وحدة مصير الأمة في مواجهة جميع التحديات الكبرى التي تتعرض لها الأمة مما يتطلب توحيد جميع إمكانات الأمة وحشد طاقاتها البشرية والاقتصادية والعسكرية لمواجهة هذه التحديات.
نعم أدرك حزب البعث العربي الاشتراكي منذ تأسيسه بصورة واعية عميقة واقع الأمة العربية والظروف السائدة في الوطن العربي فركز في مشروعه وفكره على القضايا الجوهرية والمصيرية وأوضح طبيعة العلاقات بين هذه القضايا، بين الوحدة العربية كهدف مركزي ومصيري وبين الحرية كمناخ رئيسي للنهوض القومي ومقاومة الاستعمار وبين الاشتراكية كطريق لإطلاق وتنظيم طاقات الأمة ورفع مستوى المواطنين وإزالة الظلم الاجتماعي والاستغلال الاقتصادي، وقد واجه الحزب عقبات ومصاعب داخلية وخارجية في مسيرته النضالية لتحقيق مبادئه وأهدافه لكنه بقي أمينا لهذه المبادئ لأنها شكلت تجسيدا لحركة الجماهير العربية وتعبيرا عن حقائق الواقع والتاريخ وارتقى الحزب بالفكر القومي بعد ان حوله إلى قاعدة للممارسة النضالية التي تؤسس للبناء السليم في الأمة، معتبرا ان الوطن العربي وحدة سياسية واقتصادية لا تتجزأ ولا يمكن لأي قطر من الأقطار العربية ان يستكمل شروط حياته منعزلا عن الأخر وان للعرب وحدهم حق التصرف بشؤونه وثرواته وتوجيه مقدراته”. واستمر الحزب في تطوير الفكر القومي وآليات تحقيق أهدافه ومبادئه باعتبار ان التطوير عملية مستمرة لان الأحداث والانعطافات الكبرى تفرض ان يكون التطوير أكثر حركة ونوعا، ويتطلب هذا التطوير للفكر القومي استيعاب تيارات الأمة العقائدية والفكرية والسياسية وتنوعاتها الاجتماعية والدينية والثقافية.
انه من الضروري التزام البعثيين وفي ظل المستجدات التي تواجهها الأمة العربية بعامة والقطر العربي السوري بخاصة حيث الهجمة الأمريكية الصهيونية الاستعمارية المعادية ومعها أنظمة عربية وإقليمية تعمل على تنفيذ مشاريعها ومخططاتها التي تستهدف الهوية القومية والنضال المتواصل من اجل نشر مشروع البعث القومي وتعميقه لدى الجماهير ودفعها باتجاه تحقيق دولة العرب الحرة الواحدة.
ان ما يميز حزب البعث ومشروعه القومي قدرته على التطور والتجدد مع الحفاظ وبثبات على المبادئ الأساسية “الوحدة والحرية والاشتراكية” واستنادا إلى هذا المشروع ومضمونه تأتي رؤية الحزب بتلازم جدلي لمبادئه الأساسية بحيث يؤدي تحقيق أي منها إلى تحقيق المبدأين الآخرين .
الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي
فـــــــــؤاد دبـــــــــــــور