دور الإدارات الامريكية في خلق الازمات

 

عملت الإدارات الامريكية بفعل توجهاتها السياسية الهادفة إلى السيطرة على العالم إلى نشر قواعد عسكرية برية وبحرية وجوية في العديد من الدول والبحار مما حملها مع التابعين لها من أنظمة نفطية أعباء مادية ضخمة، وقد استندت في ذلك إلى أوهام القوة وجبروتها مما جعلها تعتقد بأنها سوف تمسك بزمام الأمور في العالم دون منازع وان تصبح صاحبة الولاية عليه بحيث يسير وفق إرادتها ورغباتها ومصالحها وتتصرف به كما تشاء بلا قيود أو حدود وهذا النهج دفعها إلى إغراق نفسها في مشاكل وأزمات كبيرة معقدة ومتعددة وذلك عبر استخدامها المفرط والمجنون لما تملكه من قوة  تضرب بها في كل مكان غير عابئة بمصالح الآخرين ولا حتى بحياتهم فتورطت في حروب وتدخلات عسكرية وسياسية في العديد من مناطق العالم وبخاصة في المنطقة المسماة بالشرق الأوسط، وفي أمريكا اللاتينية وجنوب شرق أسيا والقارة الإفريقية، حيث المصالح الاقتصادية والمالية لشركاتها الرأسمالية العابرة للقارات وتحت عنوان مكافحة الإرهاب أقدمت على شن حرب ضد أفغانستان موظفة أحداث الحادي عشر من أيلول عام 2001 والتي أصابت مؤسسات في مدينة نيويورك الأمريكية وألحقت بها خسائر بشرية ومادية ودمرت أبراجا، وما زالت هذه الحرب على أفغانستان مستمرة حتى الآن رغم مضي ما يقارب العقدين من السنوات وقد ألحقت دمارا هائلا في هذه الدول وجوارها مثلما ألحقت خسائر باهظة بالأرواح وكانت كلفتها المادية باهظة على الولايات المتحدة نفسها مثلما هي كلفتها العسكرية والسياسية، والمعنوية والبشرية حيث فشلت الولايات المتحدة الأمريكية ومعها العديد من الحلفاء في حلف الناتو في تحقيق النصر في هذه الحرب والآفاق مسدودة امام تحقيقه أن لم نقل بأنه من  المستحيلات بما جعلها تبحث عن مخرج يحفظ لها ماء الوجه امام شعبها أولا والعالم ثانيا وإذا ما توقفنا عند دور الولايات المتحدة الأمريكية في منطقتنا وما قامت به في هذه المنطقة وبخاصة في فترة ولاية الرئيس جورج بوش الأب وإدارة الرئيس اوباما، نجد أن الدور الأخطر في عهد الرئيس الحالي دونالد ترامب في كل ما فعلته ومارسته الإدارات الأمريكية، حيث مارست سياسة فرض السيطرة على المنطقة باستخدام وسائل متعددة يأتي في مقدمتها القوة العسكرية والحروب التي تجسدت في اقدامها على الحرب العدوانية ضد العراق في شهر آذار من عام 2003 أسفرت هذه الحرب عن احتلال هذا القطر العربي وإسقاط نظامه وقتل مئات الآلاف من سكانه وهجرة الملايين منهم وتدميره وخلق فتن مذهبية وطائفية وعرقية فيه ورغم هذا النجاح في الاحتلال والقتل والتدمير فقد حالفها الفشل في تحقيق أهدافها ودفعت، ثمنا باهظا بشريا وماديا وسياسيا ونفسيا ومعنويا بسبب المقاومة العراقية الباسلة، حيث أجبرت إدارة أوباما على الخروج في العام 2011.

هذا إضافة إلى إقدام الإدارات الأمريكية على التدخل في الشؤون الداخلية للعديد من بلدان المنطقة خدمة للكيان الصهيوني أيضا وقد تمثلت هذه التدخلات بشكل أساسي في لبنان للنيل من سورية والمقاومة الوطنية اللبنانية فكانت القرارات الدولية وفي المقدمة منها القرار 1559 الصادر عن مجلس الأمن الدولي المسيطر عليه أمريكيا في شهر أيلول من عام 2004م وما تبع هذا القرار من سياسات واحداث تصب في خدمة نفس الهدف ولما فشلت هذه السياسات أقدمت إدارة الرئيس بوش الابن على حرب عدوانية بالاداة الصهيونية في الثاني عشر من شهر تموز عام 2006م وباءت هذه الحرب أيضا بالفشل حيث لم تحقق أهدافها وخرجت المقاومة الوطنية اللبنانية منتصرة وأضحت أقوى مما كانت عليه بعد هذه الحرب، ولكن الولايات المتحدة الأمريكية ممثلة بإداراتها لم تتوقف عن التدخل في الشؤون الداخلية لدول المنطقة ولنفس السبب، امن الكيان الصهيوني ومصالحه، حيث أقدمت في الخامس عشر من آذار عام 2011 على التدخل السافر في الشؤون الداخلية لسورية. لمعاقبتها على سياساتها الوطنية والقومية الرافضة للاشتراطات الأمريكية التي تصب في خدمة الكيان الصهيوني مستخدمة في هذا التدخل أدوات وفئات ضالة وعصابات مأجورة ولكن هذا التدخل أيضا رغم ما الحق من خسائر مادية وبشرية في صفوف الشعب العربي السوري فشل في تحقيق أهدافه نظرا لإدراك الشعب ووعيه لابعاد المؤامرة التي تستهدفه من خلال تمسكه بوحدته الوطنية مثلما تستهدف السياسة الوطنية والقومية للدولة مما جعله يلتف حول قيادته وجيشه. صمد الشعب وحقق الجيش وقيادته الانتصارات وفشلت القوى المعادية، وسيتم تحرير كل الأرض السورية في وقت قريب من هذا العام.

مثلما تدخلت الولايات المتحدة الأمريكية في الشؤون الداخلية لإيران وشنت عليها حربا سياسية وإعلامية واقتصادية عبر فرض حصار دولي عليها تحت ذريعة محاولات إيران لامتلاك الطاقة النووية التي تهدد ا من الكيان الصهيوني، ورغم توقيع اتفاقية (5+1) جاءت إدارة ترامب لتسحب توقيعها وتفرض حصارات متجددة على إيران، ولم تتوقف التدخلات الأمريكية في شؤون دول المنطقة، حيث أقامت قواعد عسكرية برية وبحرية وجوية في بعضها لحماية مصالحها ومصالح الكيان الصهيوني.

هذا إضافة إلى تدخلات في كوريا الشمالية، وأخرى في دول أمريكا اللاتينية ولكنها تفشل هناك أيضا حيث أصبحت هذه الدول بمعظمها تعادي السياسات الأمريكية، مثلما تعاديها كل شعوب العالم التي تحمل الحقد والكراهية لهذه الدولة بسبب ما تلحقه بالبشرية من خسائر بالأرواح والمؤسسات الوطنية. إشباعا لأطماعها وجشعها والتزامها الدائم بالحفاظ على امن الكيان الصهيوني الغاصب الذي يشرد شعبا ويحتل أرضه ويمارس كل أنواع القتل والدمار في فلسطين والأقطار العربية الأخرى بالأسلحة الأمريكية المتطورة استنادا إلى الحماية السياسية الأمريكية لهذا الكيان والى امداده بكل ما يمكنه من ممارسة الإرهاب ضد العرب بكل أشكاله. وجاءت سياسات ترامب العدوانية الأخيرة المتمثلة في الاعتراف بالقدس العربية عاصمة للكيان الغاصب ونقل السفارة الامريكية اليها ووضع مخطط تدميري للقضية الفلسطينية تحت اسم صفقة القرن. وقرار ظالم بضم الجولان العربي السوري المحتل الى الكيان الصهيوني الغاصب.

ونعود لنؤكد على أن الولايات المتحد ة الأمريكية وبسبب هذه السياسات العمياء لم تعد قادرة على إعادة التوازن في سياساتها الخارجية نحو العالم وبسبب أزماتها المالية والاقتصادية والانتكاسات التي أصابتها بسبب حروبها العدوانية ضد الشعوب حيث لم تعد قادرة على تحمل الكلفة المادية والبشرية وبسبب مواقع العداء للشعوب التي وضعت نفسها فيها.

قتلت، دمرت، ارتكبت المجازر لتهيمن على العديد من بقاع الأرض، لكنها تواجه هذه الأيام نتائج اعمالها القذرة وما يسمى بوباء كورونا، مما يجعلها غير قادرة على الاستمرار في سياساتها العدوانية الاجرامية الوحشية والحصار ضد العديد من دول العالم. لكنها رغم كل ما أصابها ويصيبها ستحاول بكل ما تمتلك من عناصر القوة ان تواجه البشرية جمعاء بوحشية ودموية اكثر.

 

الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي

فــــــــؤاد دبــــــــــور