يبلغ طول النهر من منبعه إلى مصبه ما يقارب (6700) كلم، حيث ينبع النيل الأبيض من بحيرة فكتوريا الواقعة في الدول الإفريقية الثلاث (أوغندا، كينيا، تنزانيا) والنيل الأزرق الذي ينبع من بحيرة “تانا” في أثيوبيا، حيث يلتقي النهران في العاصمة السودانية الخرطوم ليشكلا نهرا واحدا يعبر جمهورية مصر العربية من شمالها إلى جنوبها ويصب في البحر الأبيض المتوسط، وتعتمد مصر في تغطية حاجاتها من المياه على نهر النيل وبنسبة تصل إلى 97% ، حيث تحصل على 55.5 مليار متر مكعب من المياه وفق اتفاقية عام 1929م والتي تم التأكيد عليها في العام 1959م، وبقيت ثابتة رغم الزيادة الكبيرة في عدد السكان عبر السنوات، مثلما تعتمد جمهورية السودان على 77% من حاجتها للمياه من النهر حيث تبلغ حصتها 18.5 مليار متر مكعب وفق الاتفاقيتين (1929، 1959). وتتضمن الاتفاقيتان نصا صريحا يمنع قيام أي دولة من دول المنبع بإقامة سدود على مجرى النهر إلا بموافقة الأطراف الأخرى وبخاصة مصر والسودان، ونظرا لأهمية مياه النيل لأمن القطرين العربيين مصر والسودان مائيا فقد سعت حكومات العدو الصهيوني وبالتنسيق مع الدول الاستعمارية والامبريالية وبخاصة الولايات المتحدة الأمريكية لتحريض دول المنبع على إعادة النظر في هاتين الاتفاقيتين سواء بالبند المتعلق بالحصص أو المتعلق بإقامة السدود والمشاريع المائية على النيل بحيث تعطى الحرية لهذه الدول دون موافقة مصر والسودان وقد تم العمل على إقامة مشروع القرن الإفريقي وهو مشروع استعماري يهدف إلى التأثير على الأمن المائي للقطرين العربيين، وكذلك مشروع اتحاد دول شرق إفريقيا غير العربية وان يكون للكيان الصهيوني الذي تغلغل في هذه الدول عبر تقديم المساعدات العسكرية والمالية والاقتصادية للدول الإفريقية دوره، مما يجعل منه أساسا في توجيه هذه المشاريع، خاصة وان التواجد الصهيوني قد تكثف وتعمق وخاصة في أثيوبيا وارتيريا عبر إقامة قواعد عسكرية صهيونية تهدف فيما تهدف أيضا إلى السيطرة على القرن الإفريقي والبحر الأحمر ومضيق باب المندب في مداخله الجنوبية المطلة على البحر الأحمر، كما أقام الكيان الصهيوني مشروعات زراعية واسعة في “تنزانيا” ومشروعات متعددة في الدول الإفريقية الأخرى التي تشكل حوض النيل بدءا من البحيرات العظمى مرورا بأثيوبيا وجنوب السودان مثلما أقدم قادة الكيان الصهيوني ومعهم الشريك الأمريكي على خلق نزاعات قبلية واثنية ودينية وحدودية في المنطقة وبخاصة في جمهورية السودان العربية.
استطاعت حكومة العدو الصهيوني عبر استخدام المساعدات الزراعية والري إقناع أثيوبيا بالخروج على الاتفاقيات الدولية الموقعة من خلال دفعها لإقامة سدود على النيل الأزرق تؤثر بشكل مباشر على حصة مصر والسودان من مياه النهر وتهدد الأمن المائي للقطرين، مثلما استطاع الصهاينة بالتعاون مع القوى الاستعمارية إقناع دول حوض النيل (المنبع) غير العربية بالتوقيع على اتفاقية تتعلق بتعديل اتفاقيتي 1929، 1959 بما يؤثر بشكل واضح على الأمن المائي لمصر والسودان والذي له تأثيره الكبير على الحياة في القطرين لان الماء يشكل الشريان الذي يغذي القطرين، وبخاصة مصر، والدول التي وقعت على الاتفاقية هي أثيوبيا، أوغندا، راوندا، تنزانيا، ولم ترفض الدول الثلاث الأخرى هذه الاتفاقية بل منها من أعلن التأييد ومنها من صمت وطالب ببيع الفائض لديه من المياه لمن يحتاجه من العرب، بمعنى أن هذا الاتفاق قد شكل خروجا على اتفاقيات دولية وجاءت نصوصه لتمس بشكل مؤثر وكبير بمصالح مصر المائية وذلك بتحريض من حكومة العدو وبخاصة حكومة الإرهابي بنيامين نتنياهو، طبعا، لم يتوقف الاستهداف الصهيوني لجمهورية مصر العربية على قضية نهر النيل الذي طالما سعى الصهاينة للاستفادة منه عبر إيصاله بالأنابيب إلى فلسطين المحتلة بل إلى وضع مخططات قيد التنفيذ لشق قناة ما بين خليج العقبة على البحر الأحمر.
يأتي الاستهداف الصهيوني الذي نجح في إقناع دول المنبع بالتوقيع على الاتفاقية التي تلحق ضررا كبيرا بأمن مصر والسودان في ظل معاهدة كامب ديفيد بين مصر والكيان الصهيوني حيث يبرر الصهاينة سياساتهم المتعلقة بهذا الأمر بأن ليس للمعاهدة شأن بهذه السياسات مثلما تؤكد السياسات الصهيونية على الأحقاد والعداء لمصر والسودان والعرب والمسلمين مثلما تؤكد الحقائق التاريخية التي تدلل على أن اليهود لا يحفظون عهدا ولا يحترمون مواثيق ومعاهدات وان مثل هذه المعاهدات يتم توظيفها لخدمة مصالحهم فقط، وهذا الفهم يدركه الجميع مما يتطلب التعاطي مع الصهاينة واليهود وفقا لمدلولاته سواء ما تعلق بمياه النيل أو القضية المركزية الأساسية قضية الشعب العربي الفلسطيني. ويجب ان تدرك الأنظمة التي تطبع مع الصهاينة ابعاد العقيدة والسياسة الصهيونية العدائية للامة العربية.
ندرك أن موقف الإخوة في جمهورية مصر العربية والسودان من الصعوبة بمكان لكن استدراك الأمر عبر الحوار البناء والتفاهم من الدول الإفريقية المجاورة والشريكة للقطرين العربيين بالجغرافيا والتاريخ يمكن أن يوصل إلى نتائج ايجابية، مثلما يتطلب من كل العرب الوقوف إلى جانب القطرين والعمل على وقف التغلغل الصهيوني في القرن الإفريقي والبحر الأحمر وحتى في كل إفريقيا عبر استخدام كل الوسائل الممكنة في هذا المجال.
ونعود لنؤكد على الدوام أن هذا العدو يستهدف الأمة العربية في أمنها واستقرارها وثرواتها مما يرتب على العرب بناء موقف عربي واحد لمواجهة هذا الورم السرطاني الذي يهدد جسم الأمة العربية ومن أول سبل المواجهة المؤثرة دعم المقاومة التي أثبتت قدرتها على التصدي للعدو وإفشال أهدافه ومخططاته ومشاريعه وبكل أسباب الدعم المادي والعسكري والسياسي.
نقول: نجح الصهاينة في تحريض دول المنبع أو بعضها ولكننا نأمل أن يكون هذا النجاح مؤقتا خاصة وان مصر والسودان قطران أصيلان دائمان في إفريقيا وعضوان في الاتحاد الإفريقي أما الكيان الصهيوني فهو طارئ ومصنوع استعماريا فوق ارض فلسطين ودخيل أيضا على إفريقيا.
ولنا في المحادثات الجارية هذه الأيام حول سد النهضة مع اثيوبيا التي وبدفع من الكيان الصهيوني والإدارة الامريكية تستخدمه في تحقيق اهداف سياسية للعدو الصهيوني وبخاصة التأثير على موقف جمهورية مصر العربية من سياسة الضم في الضفة الغربية ومشروع صفقة القرن. مياه النيل أساس امن السودان ومصر العربية ان لم نقل حياة الشعب العربي في مصر.
الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي
فــــــــــؤاد دبــــــــــور