عالم متعدد الاقطاب

  • Post author:
  • Post category:متفرق

انتهجت الولايات المتحدة الأمريكية إستراتيجية زيادة التحكم والتفرد في النظام العالمي الجديد بعد انهيار الاتحاد السوفياتي اواخر القرن الماضي عن طريق منع بروز دول عظمى منافسة لها واستغلت هذا الانهيار لتوسيع دائرة نفوذها في مناطق مختلفة من العالم وتنطوي هذه الإستراتيجية على ضرورة استمرارية زعامتها وقيادتها وهيمنتها الدولية باعتبارها، على حد زعمها، شرطا ضروريا للاستقرار الشامل في العالم حيث أن عدم الاستقرار الدولي يشكل خطرا يهدد مصالحها الإستراتيجية بعامة والاقتصادية منها بخاصة.

بمعنى أن هذه الإستراتيجية الأمريكية الهادفة إلى السيطرة الجيوسياسية تقوم على اختلال توازن القوى لتحقيق مصالحها وبخاصة في أوروبا وشرق أسيا والخليج العربي والمنطقة المسماة بالشرق الأوسط الكبير.

أي أن مبدأ توازن القوى الذي اعتمدته الولايات المتحدة يعتمد على نفوذها خارج حدودها وسيطرتها على النظام السياسي والاقتصادي الدوليين وقد شكلت هذه السياسة والأطماع الأمريكية في ثروات العالم والهيمنة على الاقتصاد العالمي اخطارا كبيرة ألقت بظلالها وأضرارها وكلفها الباهظة على العديد من دول العالم  وبخاصة تلك الدول التي تعرضت إلى الغزو العسكري الأمريكي، وبخاصة افغانستان 2001، والعراق 2003، وسورية بشكل مباشر وغير مباشر، وقد اوجدت أمريكا قواعد عسكرية لقواتها للحفاظ على مصالحها عبر منع ظهور زعامة أوروبية أو روسية بذريعة الدفاع عن وحدة أراضيها، وهذا جعل الإدارات الأمريكية المتعاقبة تفعل كل ما بوسعها لإدامة تفوقها وتوسيع نفوذها الجيوسياسي دون النظر إلى أن السياسة الدولية متحركة والظروف والأوضاع في العالم قابلة للتغيير وهذا ما حصل، ويحصل، فعليا بعد استعادة روسيا الاتحادية لدور الاتحاد السوفياتي الذي طالما نافس الولايات المتحدة وخاض معها حربا باردة استمرت من أربعينات القرن الماضي وحتى الأعوام الأولى من تسعينات القرن.

استعادت روسيا الاتحادية دور الاتحاد السوفياتي بعد أن تحسنت أوضاعها الاقتصادية والعسكرية وبعد أن تولى قيادة روسيا الثنائي الطموح بوتين- ميدفيدف، حيث بدأت هذه القيادة العمل على بناء قوتها لاستعادة النفوذ لمواجهة الأطماع الأمريكية وأخطارها حيث تواصلت مع الصين والهند وإيران وباقي دول “البريكس” ومنظومة “شنغهاي” للحد من هذه الأطماع والهيمنة والنفوذ الأمريكي الذي اقترب فعليا من حدودها وتجسد ذلك في نشر الدروع الصاروخية ومصانع المواد الحربية السامة والكيماوية المدمرة قرب هذه الحدود في تشيكيا وبولندا واوكرانيا، مما جعل روسيا الاتحادية تعتمد في المواجهة تطوير قوتها العسكرية وبخاصة تلك التي ورثتها من الاتحاد السوفياتي وبخاصة النووية منها وهذا جعلها تصبح قوة عظمى جديدة تكسر أحادية القطبية وتعيد توازن القوى في الساحة الدولية رغم محاولات الولايات المتحدة العمل على حصار روسيا عبر بعض جمهوريات الاتحاد السوفياتي السابق والسيطرة على هذه الجمهوريات اقتصاديا وعسكريا حيث أقامت على أراضي هذه الجمهوريات قواعد عسكرية وكذلك عملت على ضم العديد منها إلى مجموعة دول الاتحاد الأوروبي الحليف للولايات المتحدة حيث تشكل مع دول هذا الاتحاد حلفا عسكريا “حلف الناتو” الذي هو موجه بالأساس إلى القوة الروسية وهذا جعل الرئيس الروسي بوتين يوجه انتقادات شديدة إلى سياسة الهيمنة الأمريكية على العالم معتبرا هذه السياسة تشكل خطرا كبيرا ليس على امن روسيا فحسب بل على امن العالم واستقراره.

بمعنى أن القيادة الروسية ترفض الهيمنة وتعمل على إنهاء دور القطب الواحد والنظام العالمي الجديد الذي أقامته الولايات المتحدة الأمريكية واتبع كلامه بالأفعال حيث عمل على تطوير القدرات العسكرية لروسيا الاتحادية وبخاصة المتقدمة منها كالصواريخ العابرة للقارات وتلك المضادة للصواريخ لمواجهة أي خطر كما أقدمت روسيا على تسليح اسطولها البحري برؤوس نووية كإجراء دفاعي وخلق رعب يحول دون إقدام الولايات المتحدة ومعها دول حلف الناتو على مغامرة مجنونة تلحق اشد وأفدح الأخطار بالبشرية. وهذا ما حصل، ويحصل هذه الايام في الحرب الدائرة في اوكرانيا.

مثلما عملت روسيا على مواجهة اقتصادية مع الولايات المتحدة الأمريكية لها علاقة بالطاقة وخاصة النفط والغاز وطرق إمداده سيما وان الولايات المتحدة تستورد أكثر من 60% من حاجتها لهذه الطاقة من الخارج وتجدد الصراع بين الولايات المتحدة وروسيا صراعا ساخنا مبنيا على المصالح الاقتصادية الحيوية للطرفين كما جاءت الأزمة السورية لترفع وتيرة الصراع السياسي وحتى العسكري بين الولايات المتحدة الأمريكية ومن معها من الدول الغربية وبخاصة فرنسا وبريطانيا وألمانيا من جهة وروسيا الاتحادية ومعها الصين وإيران وسورية وكل مجموعة دول “بريكس” من جهة أخرى . تجسد هذا الصراع باستخدام روسيا والصين لحق الاعتراض “الفيتو” في مجلس الأمن الدولي، مما حال دون تحقيق أهداف الدول المعادية لسورية والأمة العربية التي تهدف الى المحافظة على امن الكيان الصهيوني.

واتجهت روسيا والدول الصديقة الأخرى إلى بذل الجهود من اجل الحفاظ على امن سورية والمنطقة وأمنها عسكرياً وسياسياً وصولا لحل سياسي للازمة السورية لأنها ترى أن الحل العسكري الذي حاولت الولايات المتحدة والدول الغربية الأخرى والدائرين في فلكها من العملاء في المنطقة بأسرها العمل على تحقيقه .

كما انتهجت روسيا الاتحادية ومعها الحلفاء سياسة حكيمة في علاج الأزمة السورية مما جعلها ترفض كل استهداف لسورية سواء أكان هذا الاستهداف أمريكيا عسكريا ام سياسيا غربيا أم إقليميا أم عربيا عبر انظمة عربية واقليمية، مؤكدة على الدوام على الحل السياسي ووقف تسليح الإرهابيين وتهريبهم إلى الداخل السوري ليمارسوا القتل والخراب والدمار وارتكاب المجازر البشعة بحق المواطنين العرب السوريين.

على أية حال، لقد فقدت الولايات المتحدة الأمريكية تفردها بالعالم وظهر القطب الأخر المنافس والمصارع والمقارع، روسيا الاتحادية، وبخاصة في الحرب الدائرة الان في اوكرانيا، حيث حاولت امريكا استخدام هذه الدولة لاضعاف روسيا وجعلها تستسلم للجبروت الامريكي.

ويشهد العالم اليوم تطورات هامة تسفر عن غياب سيطرة القطب الامريكي الواحد بالسيطرة على العالم وبروز التعددية في الاقطاب الدولية من روسيا الى الصين الى جمهورية ايران الاسلامية، وهذا سوف يخرج العالم من دكتاتورية الدم الى الديمقراطية الانسانية.

الامين العام لحزب البعث العربي التقدمي

فـــؤاد دبـــور