ان من غير الممكن عزل الديمقراطية عن واقع الظروف الموضوعية وطبيعة المرحلة التاريخية، لأن مفهوم الديمقراطية انعكاس وتعبير عن المرحلة السياسية السائدة، وتجسيد لمواقف الأنظمة من القوى الشعبية الاجتماعية المختلفة.
لقد اتخذ مفهوم الديمقراطية عبر تطور المجتمعات والأنظمة السياسية صورا وتطبيقات مختلفة. وهناك صور متعددة لما يسمى “الأنظمة الديمقراطية” منها المفهوم البرجوازي.
ان المفهوم البرجوازي للديمقراطية جاء – في مضمونه وأهدافه – تجسيدا لمصالح الطبقة الحاكمة. وكانت الحرية التي تدعو إليها الديمقراطية الليبرالية تحصر مفاهيم الحق والعدالة والمساواة في نطاق ضيق محدود، يسمح بتقديم الخدمات والمساعدات والتنازلات بما يخدم طبيعة النظام ويؤمن استمراره تحت شعارات ظاهرها انساني يهدف الى حماية مصالح الأفراد وحقوقهم، ولكنها في حقيقتها ذات مضمون طبقي اقتصادي يوظف المفاهيم والشعارات لخدمة بقاء الأنظمة البرجوازية وامتداد نفوذها.
ان الديمقراطية البرجوازية هي ديمقراطية ضيقة ، تمثل مصالح الاغنياء على حساب الفقراء.
ان الدميقراطية السليمة هي بمفهومها تسليم الجماهير العريضة مهمة قيادة نفسها بنفسها عن طريق التنظيمات السياسية والمجالس الشعبية والمنظمات الرسمية والشعبية التي تقودها الطلائع الواعية.
ان مفهوم التقدم يعني حركة التاريخ والمجتمع المتجهة الى الأمام والصاعدة إلى المستويات الأرقى والأفضل والتي تشمل جميع القطاعات والمجالات الاقتصادية والاجتماعية والسياسية واحداث تغييرات جذرية تخدم مصالح الكادحين وتتطابق مع أهداف بناء مجتمع تتحقق فيه المساواة والعدالة. وترجع أهمية هذا التوضيح للتمييز بين مفهوم التقدم كخطوة شاملة وبين مفهوم التقدم الذي ينحصر بحدود الاصلاحات الجزئية والهامشية، او تقديم المكتسبات من قبل الفئات المتنفذة كنوع من التنازلات وكمؤشرات للتقدم، علما أنها في حقيقتها مجرد اصلاحات وترميم وتعديل في النظام دون المساس بجوهره او مقوماته او اهدافه.
ولذلك فإن المفهوم التقدمي للديمقراطية، الذي يحقق أهداف الأمة ومصالح اوسع الجماهير والذي يعتمد المنهج العلمي الذي يأخذ بعين الاعتبار طبيعة الظروف الموضوعية، التاريخية والاقتصادية والاجتماعية في الوطن.
ونؤكد على ان وجود التنظيمات السياسية والشعبية يعتبر من اهم مؤشرات الديمقراطية. لكن الصورة الحقيقية للديمقراطية لا تكتمل الا باعتماد مؤشرات هامة اخرى مثل تحيق المساواة الاجتماعية وتكافؤ الفرص، وحرية الرأي والنقد والرقابة وطبيعة العلاقة بين السلطة التشريعية والتنفيذية، ودستورية القوانين وحقوق الترشيح والانتخاب، وتوفير الضمانات ونفاذ القوانين وحق المعارضة السياسية، بالإضافة الى مؤشرات وأسس اخرى.
الامين العام لحزب البعث العربي التقدمي
فــــــــــــؤاد دبـــــــــــور