ان التطبيع الذي يترعرع اليوم في ذهن العديد من العرب حكاما ومثقفين وفنانين، ويمارس واقعيا بأشكال مختلفة سياسيا، اعلاميا، اقتصاديا، عسكرياً، استخباراتياً، سياحة تجارة، ثقافة وهو نتيجة لإقرار العديد من الانظمة العربية بما يلي:
- سقوط نظرية تحرير فلسطين عندهم وبالتالي سقوط مقولة الصراع العربي الصهيوني والحق العربي بفلسطين.
- سقوط نظرية المسؤولية القومية والدينية، سياسيا، أخلاقيا وتاريخيا وحلول المسؤولية القطرية الخالصة محلها، وهذا يعني إسقاط البعد القومي للقضية الفلسطينية ولأية قضية عربية وبالتالي لم يعد هناك أي التزام من أي نوع حيال الحقوق العربية المشتركة وهذا يتضمن الإقرار السياسي بسقوط الموقف العربي والتضامن العربي والقبول بالحلول المنفردة عند هؤلاء.
- تسليم أنظمة عربية بأن للكيان الصهيوني الحق بمشروعية الوجود كدولة من دول المنطقة، ويتضمن هذا إقراراً بإسقاط مشروعية حق العودة للاجئين الفلسطينيين والمقاومة للكيان الصهيوني في فلسطين لأنها تتعارض مع إقرار هؤلاء بحق الكيان الصهيوني في الوجود وعليه فإن مقاومة الاحتلال من أجل استرداد الأرض والحقوق والحرية والسيادة إنما تقع تحت مسميات طالما أطلقتها عليها الحكومات الصهيونية والإدارات الأمريكية وهي حركات إرهاب وعنف وعدوان.
- سقوط كل مبررات وأسباب المقاطعة للكيان الصهيوني لأن المقاطعة حسب مفهوم الكيان الصهيوني لا شرعية لها، وهذا يتضمن حرمان شعبنا من حقه في مقاومة الاحتلال والاغتصاب الصهيوني للأرض العربية في فلسطين ولبنان والجولان العربي السوري.
- إن سيادة ثقافة ومفهوم القطرية يحكم توجهات نظم وأفراد وأحزاب وينتقل إلى المجال التربوي ويجعل مفهوم مقاومة التطبيع مع العدو الصهيوني جريمة يعاقب عليها القانون ولعل الشواهد على مثل هذا الأمر كثيرة. والتطبيع مع الكيان الصهيوني يعني أيضا:
- إزالة كل الحواجز المادية والمعنوية والنفسية التي تجعل من الكيان الصهيوني كياناً عدواً غريبا عن المنطقة لا مستقبل ولا حياة له فيها. وهذا ما يفتح الباب واسعا أمام الكيان الصهيوني لتحقيق مشروعه التوسعي الاستيطاني الاحلالي مثلما يجعل الباب مشرعا أمامه لتحقيق أطماعه المتمثلة في الهيمنة على المنطقة ومقدراتها وصولا لتحقيق حلمه التوراتي المزعوم “إسرائيل الكبرى “من الفرات الى النيل” أو العظمى” السيطرة السياسية والاقتصادية وهذا يعني بالضرورة توفير كل مقومات الحياة الطبيعية لكيان غريب تم زرعه في منطقتنا كأداة إمبريالية ضد أمتنا.
- إلغاء الكراهية للعدو الغاصب، الذي احتل الأرض وشرد أصحابها قسراً بالقوة والقتل والإرهاب والانتقال إلى مرحلة اعتباره كياناً طبيعيا إن لم يكن صديقا وحامياً للبعض وهذا ما تجسد أثناء الحرب العدوانية الأخيرة على لبنان في تموز 2006، وعلى شعبنا في قطاع غزة في كانون الأول 2008، 2012، 2014، 2019، 2021 وعلى سورية العربية وما زال العدوان مستمرا.
- تحويل جهد بشري – عربي كبير من العمل على تكريس حقائق التاريخ وتربية الأجيال عليها وتهيئتها لاستعادتها إلى القبول بتاريخ مشوه والعمل على غرس معطيات جديدة على أنها قناعات مع ما يرافق ذلك من خلل نفسي وروحي ووجداني وأخلاقي يلحق بالأجيال الحالية والقادمة حالة من ضياع المفاهيم والقيم وانعدام الثقة.
- خلق مناخ ملائم تنمو فيه تربية مشوهة وعلاقات ضارة وإحلال قيم وسلوك مغايرة لثقافة الأمة مما يلحق بها أشد الأضرار القاتلة.
- خلق طبقة من المطبعين الذين يسعون للحصول على المال الحرام على حساب الأرض والوطن وحقوق شعب عربي احتلت أرضه في فلسطين وسورية ولبنان.
وقد تمثل هذا الامر في العديد من اللقاءات مع قادة العدو الصهيوني وزيارتهم وعلى اعلى المستويات لأقطار عربية، وتدنيس المساجد المقدسة، وجاءت أخيرا المسلسلات الضالة والمضللة والاسفاف في الفن القذر المأجور تجعل من أصحاب الأرض عدوا والغاصب المحتل صديقا وصاحب حق.
إن التطبيع الذي يمارسه بعض العرب مع العدو الصهيوني، يدمر الحقوق والقيم والثقافة والتربية حيث يهدف إلى التخلي عن هذه الحقوق المغتصبة وتحرير الأرض من الغاصب ويفتح الطريق أمامه ليتمكن من بناء مشروعه على حساب الحق العربي.
إن الدعوة إلى مجابهة التطبيع هي أولا حماية للوطن والشعب والامة ورفض للاعتراف بشرعية كيان العدو واحتلاله للأرض العربية في فلسطين والجولان ولبنان وتنسجم مع مفهوم كل عربي ومسلم مخلص ومدرك لأبعاد الصراع مع العدو الصهيوني باعتباره صراع وجود ويساعد على خلق مناخ لتوظيف الجهد توظيفا سليما لتحقيق أهداف استراتيجية لا تتحقق إلا بتعزيز مقوماتها وتجذير قيمها في النفوس وتهيئة الإمكانيات للأمة ماديا وتقنيا لتحقيقها.
وهكذا نرى هذه الأيام الدعوات الصارخة لفتح أبواب كاملة أمام التطبيع الكامل سياسياً ومادياً وعسكرياً والتعايش التام مع العدو الصهيوني الذي يركز على التطبيع الثقافي الهادف للقبول بالكيان الصهيوني عبر إعادة تشكيل العقل والوجدان العربي وإسقاط الحاجز النفسي وبعدها يأتي التطبيع بكل أشكاله بشكل طبيعي.
ويرتكز هذا النشاط السياسي المحموم صهيونيا وأمريكيا ومن أنظمة عربية نحو التطبيع مع العدو الصهيوني على أهميته الاستراتيجية لقبول الكيان الصهيوني وتثبيته في المنطقة وإشراكه في نسيج المنطقة سياسيا واقتصاديا وثقافيا.
وهذا يعني أن دعوتنا لمقاومة التطبيع ورفض الاعتراف بالكيان الصهيوني الغاصب وإقامة أي نوع من العلاقات معه هو في الواقع رفض لأساليب الإرهاب والبطش والقتل والاحتلال وظلم الإنسان وقهره، وبالتالي فهي دعوة للعمل من أجل الإنسان العربي في كل اقطار الامة.
وتبقى فلسطين عربية الأرض كما كانت وما زالت وستبقى قضية الاحرار الشرفاء من العرب والمسلمين، ولا مكان للمرتزقة وخونة هذه الامة.
الامين العام لحزب البعث العربي التقدمي
فـــــــؤاد دبــــــور