للدولة الأوكرانية ذات المساحة الشاسعة موقعا جغرافيا واقتصاديا وصناعيا هاما حيث تجاور روسيا الاتحادية وبيلوروسيا وبولونيا وسلوفاكيا والمجر ورومانيا والبحر الأسود ويبلغ عدد سكانها أكثر من (50) مليونا. وقد أصبحت عضوا بارزا في منظومة الاتحاد السوفياتي بعد الثورة البلشفية تحت اسم جمهورية أوكرانيا الاشتراكية السوفياتية وضمت قسما من بولونيا (القسم الغربي) بعد سلخه بالقوة عام 1941 مثلما تم إلحاق شبه جزيرة القرم ذات الأهمية الجغرافية الخاصة حيث تقع على البحر الأسود المنفذ البحري الروسي إلى منطقة الشرق الأوسط وتم هذا الضم بقرار من القيادة الروسية عام 1954 وذلك نظرا لأهمية هذا البلد الذي حولته القيادات الروسية السوفياتية إلى بلد صناعي متطور بحيث أصبح البلد الثاني بعد روسيا في منظومة دول الاتحاد السوفياتي مما جعله يتعافى من الدمار الكبير الذي لحق به جراء الحرب العالمية الثانية وساعده الروس في عديد من المجالات ذلك ما تملكه البلد من زراعة كبيرة للحبوب والسكر وموارد طبيعية، الأسمدة المعدنية والفحم وغيرها وتم تزويده بالطاقة اللازمة كالنفط والغاز من روسيا لتصبح اوكرانيا فعليا تنتج صناعات حديدية ومعدنية كالقاطرات ومستلزمات الطائرات والعديد من الصناعات الأخرى العسكرية منها والمدنية، مثلما أصبحت ممرا لانابيب النفط والغاز المصدر من روسيا إلى دول أوروبية غربية.
وبعد انهيار الاتحاد السوفياتي اعلنت القيادات البوارجوزية الرأسمالية المتنفذة استقلالها وانتهجت سياسة التبعية للغرب حيث أوصلت هذه السياسة البلد إلى حالة من التراجع الاقتصادي والتجاري والاجتماعي . هذا، وقد أوجدت الامبريالية الغربية ممثلة بالولايات المتحدة الأمريكية ودول الاستعمار الأوروبي أزمة خطيرة في هذا البلد تستهدف من خلالها وعبرها روسيا الاتحادية في توقيت لافت حيث الأحداث في المنطقة المسماة بالشرق الأوسط بعامة وسورية بشكل خاص وان كانت هذه الأزمة ليست الأولى في مسيرة الدولة الأوكرانية حيث حصلت أزمات كان أوضحها أزمة عام 2005م وقد حركت هذه الدول زمر مختلفة من التيارات المسماة بالقومية وكذلك البرجوازية الأوكرانية ومنظمات يهودية تتحكم بمؤسسات مالية وإعلامية موالية للكيان الصهيوني ومدعومة من الموساد وشاهدنا اليهودي “اوليفار” القادم من الكيان الصهيوني حيث قام بدفع الأموال للمتمردين الذين أسهموا في الانقلاب على النظام الشرعي القائم وكذلك ظهور اليهودي الفرنسي “هنري ليفي” خطيبا في ساحات العاصمة. “كييف” قبل سنوات. هذا اليهودي الذي لعب دورا هاما في مجريات الأحداث التي طالت أقطار عربية شهدت صراعات داخلية تصب في مصلحة الكيان الصهيوني.
وقد مثل هذا التحرك والتمرد والانقلاب عدوانا سافرا على روسيا في أهم البلدان المجاورة لها والتي تمثل منفذها إلى العديد من دول العالم وتقيم معها علاقات اقتصادية وتجارية وجاء التمرد تحت غطاء أمريكي أوروبي.
نستطيع القول بأن شبه جزيرة القرم التي كانت روسية في الأساس وسكانها بمعظمهم من الروس ومن الناطقين باللغة الروسية قد انحازوا إلى روسيا التي استطاعت أن تحفظ الأمن في هذه المقاطعة الهامة وتسودها الآن حالة من الاستقرار وتم ذلك رغم كل الضغوطات التي مورست على القيادة الروسية بقيادة “فلاديمير بوتين” الرجل القائد الذي عمل على إعادة هيبة الدولة الروسية بعد فقدانها في أوائل التسعينات من القرن الماضي أعاد الهيبة داخليا وخارجيا مستندا إلى استثمار حقيقي لما تملكه روسيا من صناعات متطورة عسكرية ومدنية والى مصادر الطاقة من النفط والغاز والقدرة العسكرية وامتيازه بالقدرة على اتخاذ القرار دون تردد وهذا ما شاهدناه بشكل أساسي في مواقفه من الأزمة الأوكرانية حيث اتخذ القرارات والسياسات الضرورية للدفاع عن مصالح روسيا الحيوية وبخاصة في شبه جزيرة القرم وفي شرق أوكرانيا، وهو يعمل وبنجاح في منع ذهاب أوكرانيا جزئيا “غرب أوكرانيا” أو كليا باتجاه الغرب مما يعني تهديد حقيقي لروسيا الاتحادية . ونحن على قناعة تامة بأن روسيا الاتحادية ستخرج من هذه الأزمة أقوى واشد بأساً رغم العقوبات الامريكية والتابعيين من الدول الأوروبية المتمثلة بالحصار الاقتصادي والسياسي وحتى العسكري على روسيا وتستطيع روسيا القيام بالرد الموجع عليهم ولروسيا أيضا علاقات واسعة مع العديد من الدول المؤثرة اقتصاديا وسياسيا وماليا في العالم وعلى رأسها الصين وايران. ويمكننا القول بأن لقاء القمة بالامس بين قادة روسيا الاتحادية والصين يأتي بسبب التهديدات الامريكية والغربية، وكذلك ما يجري هذه الايام من مناورات عسكرية بين القوات الروسية والبلاروسية وعلى ارض الاخيرة ونشر صواريخ (400) الروسي يأتي في الرد على تهديدات الغرب، طبعا قابلها مناورات عسكرية اوكرانية بسلاح امريكي..
وبالتأكيد وعندما نرد على الذين يعتقدون بأن روسيا قد تقايض أوكرانيا بسورية نقول بأن روسيا سوف تكون أكثر دعما سياسيا واقتصاديا وعسكريا للدولة السورية التي تواجه بصلابة وشجاعة الامبريالية والاستعمار الذي يستهدف روسيا سواء أكان ذلك عبر أوكرانيا أو عبر سورية حتى أن من أهداف العدوان على سورية إخراج روسيا من البحر الأبيض المتوسط وكذلك تمرير الغاز المستخرج من دول خليجية إلى أوروبا التي تستورد كميات من الغاز الروسي تصل إلى 40%.
نؤكد على امتلاك روسيا العديد من الأوراق التي تجعلها تخرج منتصرة من هذه الأزمة مثلما خرجت منتصرة من ازمة كازاخستان تأتي الورقة العسكرية في النهاية وليس البداية، من هذه الأوراق المال والاقتصاد والتجارة مع أوكرانيا والدول الغربية التي تستورد 40% من حاجتها للغاز من روسيا.
ونختم بقول القائد الألماني بسمارك “أن القضاء على روسيا يتم فقط عبر أوكرانيا” وكان ذلك قبل عشرات السنين، نؤكد مرة أخرى وبدون الدخول بالمزيد من التفاصيل بأن الغلبة ستكون لروسيا الاتحادية والهزيمة للامبريالية الأمريكية التي هزمت في أفغانستان والعراق وفي سورية وفي العديد من بقاع العالم.
الامين العام لحزب البعث العربي التقدمي
فـــــــــــؤاد دبــــــــــور