إن للتطورات المتباينة في الوضع الدولي بعامة وبين القوى الدولية الكبرى بخاصة، تأثيرها الكبير سواءا أكان مباشراً ام غير مباشر على الوطن العربي، وقضاياه وازماته، والتي جاءت عبر تدخلات دول كبرى في الأوضاع الداخلية لأقطار عربية وتشكل الولايات المتحدة الامريكية التي تقيم قواعد عسكرية في عدد من اقطار الوطن، ولها تدخلات عدائية في اقطار أخرى، سورية، العراق، لبنان، فلسطين دعماً للكيان الصهيوني الغاصب.
كما كان لتصاعد حدة التوتر بين الولايات المتحدة الامريكية من جهة وروسيا والصين من جهة أخرى تداعياتها وتأثيراتها على الوضع الدولي، حيث الصراع حول توجه الإدارات الامريكية للهيمنة على دول شرق أسيا ونشر الصواريخ والصراع مع الصين حول التجارة والاقتصاد.
واذا ما توقفنا عند تأثيرات تفاعل القوى الدولية الكبرى على المنطقة فإننا نشاهد انماطاً صراعية بينها وبين دول في المنطقة واقطار عربية وقد برز هذا النمط الصراعي بشكل خاص بين الولايات المتحدة الامريكية وجمهورية ايران الاسلامية وبخاصة في عهد الرئيس الأمريكي دونالد ترامب. وذلك من خلال خروجه من الاتفاق المتعلق بالموضوع النووي الذي تم توقيعه بين إيران وكل من روسيا، الصين، أمريكا، بريطانيا، فرنسا، المانيا. وكذلك الصراع مع إيران حول مواقفها السياسية المستقلة وبخاصة مواجهتها مع العدو الصهيوني والعصابات الإرهابية في سورية والعراق ودعمها للمقاومة في فلسطين ولبنان.
أما الأنماط التعاونية فهي بين الولايات المتحدة الامريكية والكيان الصهيوني وقد تمثل هذا بشكل صارخ في جعل القدس العربية عاصمة للكيان الصهيوني ونقل السفارة الامريكية الى القدس العربية، واعطاء الكيان الصهيوني الجولان العربي السوري المحتل، وطرح مشروع ما يسمى بصفقة القرن لتصفية القضية الفلسطينية برمتها لصالح العدو الصهيوني، ودفع العديد من الأنظمة العربية لتطبيع علاقاتها مع الكيان الصهيوني.
اما فيما يتعلق بالعلاقة الامريكية التركية، فهي تتأرجح بين السلب والايجاب، رغم وجود تركيا في حلف الأطلسي، وكذلك تواجد قواعد عسكرية أمريكية لحلف الأطلسي في تركيا، الا ان اردوغان يتهم الولايات المتحدة الامريكية بموقف غير مساند له. ان لم يكن غير ودي عبر رفض الإدارة الامريكية تسليم فتح الله غولن الذي يتهمه اردوغان بالوقوف وراء الانقلاب الذي هدف الى الإطاحة به. وكذلك دعم القوات الأمريكية المحتلة لشرق الفرات للأكراد المعادية لها.
اما جمهورية روسيا الاتحادية، فهي تنتهج سياسة في المنطقة تتناقض مع سياسة الولايات المتحدة الامريكية حيث عملت وتعمل على تحقيق الامن القومي الروسي اولاً نظرا لجغرافية المنطقة القريبة وبخاصة تركيا وإيران واقطار المشرق العربي.
كما وقفت روسيا وبكل قوة الى جانب القطر العربي السوري في مواجهة العصابات الإرهابية والمؤامرة التي تستهدف الدولة السورية.
كما يشهد العالم حالة من الاضطرابات والتحولات المتسارعة والصراعات، سواءً أكانت صراعات بين القوى الكبرى وكذلك أخرى مختلفة وبخاصة بين الولايات المتحدة الامريكية من جهة وروسيا الاتحادية والصين ودول اخرى، صراعات سياسية واقتصادية وصولا الى العقوبات المتبادلة والتهديد بالحرب من جهة أخرى.
وقد ظهر هذا الصراع جليا وواضحا في مجريات احداث منطقتنا واقطار من الوطن العربي والاقليم وبخاصة سورية والعراق، تركيا، وايران، وذلك نظرا لموقع هذه المنطقة الجغرافي والسياسي ولوجود النفط والغاز.
ومن اهم سماته تراجع الولايات المتحدة الامريكية عن دور القيادة الذي تحقق لها بعد انهيار الاتحاد السوفياتي أواخر القرن الماضي. كما ظهر أيضا وبوضوح تام الصراع الاقتصادي بشكل أساسي بين الولايات المتحدة والصين بعد وصول دونالد ترامب الى رئاسة الولايات المتحدة الامريكية. ويدل المشهد القائم في العالم في الأشهر الأخيرة بخاصة على ضعف الهيمنة الامريكية على العالم، سياسيا، اقتصاديا، وحتى عسكريا، حيث بدأت الاحداث المتسارعة في العالم بعامة ومنطقتنا بخاصة تشير بوضوح الى تحولات تؤكد على تغير بارز في النظام العالمي القائم منذ الحرب العالمية الثانية.
كما تشير أيضا الى ان ازمة القيادة في النظام العالمي سوف تتعمق بخاصة وان دولا كبرى في العالم الغربي، دول أوروبا، اضافة الى روسيا الاتحادية والصين وإيران والباكستان وكوريا الشمالية وحتى اليابان بدأت بأخذ طريقها الى التوتر مع إدارة ترامب. ونؤكد ومن خلال متابعة الاحداث في الأشهر الماضية على ارتفاع حدة الاختلافات في وجهات النظر بين إدارة ترامب السابقة والحلفاء من الدول الغربية في الاقتصاد والعديد من القضايا الدولية المهمة.
وبالتأكيد أيضا، فإن العلاقات الامريكية الروسية تتجه نحو المزيد من التوتر في أوكرانيا، والبحر الأسود وجزيرة القرم ومنطقة الشرق الأوسط بعامة وسورية وإيران بشكل خاص، والى حد ما في العراق واليمن.
وقد شهد النفوذ الروسي في المنطقة ارتفاعا كبيرا وبخاصة بعد مشاركتها المباشرة في مواجهة العصابات الإرهابية في سورية المدعومة من الولايات المتحدة الامريكية.
ولا بد ان نتوقف عند الثروة النفطية بعامة والغاز بخاصة في الصراع الدولي بين الولايات المتحدة الامريكية وروسيا الاتحادية وبؤر الصراعات الأخرى في منطقتنا سيما وان هذه المنطقة لها الدور الأول في مخزون هذه الثروة التي تقوم عليها صناعات العالم اجمع وتعتبر عنصرا أساسيا في حياة الشعوب جميعا وبخاصة الغربية منها التي تحتاج في حياتها اليومية الى النفط والغاز.
هذا ونستطيع إضافة الصراع حول الاتفاقية النووية مع إيران وقد قاد هذا الى توتر كبير في العلاقات الإيرانية الامريكية وصلت الى حد فرض الحصار على إيران وحتى التهديد بالتدخل العسكري وانسحاب ترامب منها.
والجديد في العلاقات الدولية أيضا انطلاق علاقات إيجابية وعالية الوتيرة بين روسيا الاتحادية وجمهورية ايران الإسلامية وكذلك علاقات بين روسيا الاتحادية أيضا وتركيا وان لم تصل هذه العلاقات الى وضع إيجابي فيما يتعلق بموقف تركيا اردوغان المعادية في الشأن السوري بعامة وموضوع تحرير محافظة ادلب والشمال السوري بخاصة.
وبالتأكيد، فإن الصراعات الدولية والصراع حول منطقتنا من اهم عناصر هذه الصراعات تتطلب التضامن بين الشعوب المستهدفة من الولايات المتحدة الامريكية والدول الاستعمارية والعدو الصهيوني والعصابات الإرهابية المدعومة من هذه الدول التضامن والتنسيق ووحدة الموقف لمواجهة المشاريع والمخططات الهادفة الى نهب ثروات المنطقة وبخاصة العربية منها والتحكم بقرارها السيادي المستقل. ونحن نرى ان محور المقاومة يتفوق في هذا الصراع والى المزيد.
الأمين العام لحزب البعث العربي التقدمي
فـــــــــــؤاد دبـــــــــور